الذين بجاههم ومسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية ، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية ، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالح حتى صاروا كهشيم المحتظر (٣٢) ، لما انقلعت من مكانك بإذن الله ، وجئت إلى حضرتي هذه ؛ ووضع يده على الأرض بين يديه ، فتزلزل الجبل ، وسار كالقارح (٣٣) الهملاج (٣٤) حتى صار بين يديه ، ودنا من إصبعه أصله فلزق بها ، ووقف وناداها : أنا لك سامع طائع ـ يا رسول رب العالمين ـ وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين ، مرني بأمرك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن هؤلاء المعاندين اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك ، فتصير نصفين ، ثم ينحط أعلاك ، ويرتفع أسفلك ، فتصير ذروتك أصلك ، وأصلك ذروتك.
فقال الجبل : أتأمرني بذلك ، يا رسول الله؟ قال : بلى ؛ فانقطع الجبل نصفين ، وانحط أعلاه إلى الأرض ، وارتفع أصله (٣٥) فوق أعلاه ، فصار فرعه أصله ، وأصله فرعه.
ثم نادى الجبل : معاشر اليهود ، هذا الذي ترون دون معجزات موسى عليهالسلام الذي تزعمون أنكم به مؤمنون. فنظر اليهود بعضهم إلى بعض ، فقال بعضهم : ما عن (٣٦) هذا محيص ؛ وقال آخرون منهم : هذا رجل مبخوت يؤتى (٣٧) له ، والمبخوت تتأتى (٣٨) له العجائب ، فلا يغرنكم ما تشاهدون.
فناداهم الجبل : يا أعداء الله ، قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى ، هلا قلتم لموسى : إن قلب العصا ثعبانا ، وانفلاق البحر طرقا ، ووقوف الجبل كالظلة فوقكم ؛ إنك يؤتى لك ، يأتيك جدك (٣٩) بالعجائب ، فلا يغرنا ما نشاهده (٤٠) ؛ فألقمتهم الجبال ـ بمقالتها ـ الصخور ، ولزمتهم حجة رب العالمين».
قوله تعالى :
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [٧٥] وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ
__________________
(٣٢) الهشيم : اليابس من النبت ، والمحتظر : هو الذي يعمل للحظيرة. «مجمع البحرين ـ هشم ـ ٦ : ١٨٦ و ـ حظر ـ ٣ : ٢٧٣».
(٣٣) القارح : الناقة أوّل ما تحمل. «لسان العرب ـ قرح ـ ٢ : ٥٥٩».
(٣٤) الهملاج : الحسن السير في سرعة وبخترة. «لسان العرب ـ هملج ـ ٢ : ٣٩٤».
(٣٥) في المصدر : أسفله.
(٣٦) في «س» : من.
(٣٧) في «س» : به مؤتى.
(٣٨) تأتّى له الأمر : تسهّل وتهيّأ. «مجمع البحرين ـ أتا ـ ١ : ٢١».
(٣٩) الجدّ : الحظّ. «مجمع البحرين ـ جدد ـ ٣ : ٢١».
(٤٠) في المصدر زيادة : منك.