فكان هؤلاء النصاب يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل وميكائيل والملائكة ؛ كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه؟ ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق؟ برئنا من رب ومن ملائكة (١١) ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون ، وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بن أبي طالب بعد محمد مفضلون.
وأما ما قاله اليهود ، فهو أن اليهود أعداء الله لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا (١٢) ، فقال : يا محمد ، كيف نومك ، فإنا قد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : تنام عيني وقلبي يقظان.
قال : صدقت ، يا محمد. قال : فأخبرني ـ يا محمد ـ الولد يكون من الرجل ، أو من المرأة؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة.
قال : صدقت ، يا محمد. ثم قال : فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء؟! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له.
قال : صدقت ـ يا محمد ـ فأخبرني عمن لا يولد له ، ومن يولد له؟ فقال : إذا مغرت النطفة لم يولد له ـ أي إذا احمرت وكدرت ـ فإذا كانت صافية ولد له.
قال : فأخبرني عن ربك ، ما هو؟ فنزلت (١٣) : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١٤) إلى آخرها.
قال ابن صوريا : صدقت ـ يا محمد ـ وبقيت واحدة إن (١٥) قلتها آمنت بك واتبعتك (١٦) ، أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟ قال : جبرئيل.
قال ابن صوريا : ذلك عدونا من بين الملائكة ، ينزل بالقتال والشدة والحرب ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك ، لأن ميكائيل كان يشدد ملكنا ، وجبرئيل كان يهلك ملكنا ، فهو عدونا لذلك».
ثم ذكر احتجاج سلمان على ابن صوريا : «ثم قال سلمان : فإني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل ، فإنه عدو لميكائيل ، وإنهما جميعا عدوان لمن عاداهما ، سلمان لمن سالمهما ، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان (رحمهالله) : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله ، ونزوله بفضائل علي ولي
__________________
(١١) في «ط» نسخة بدل : وملائكته.
(١٢) عبد الله بن صوريا الأعور : من بني ثعلبة بن الفيطون ، ولم يكن في الحجاز أحد أعلم بالتوراة منه ، وكان شديد الاحتجاج على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونزل قوله تعالى : وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى ـ إلى قوله ـ : وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ سورة البقرة ٢ : ١٣٥ ـ ١٤١ عند ما قال ابن صوريا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما الهدى إلاّ ما نحن عليه ، فاتّبعنا يا محمّد تهتد ، وقالت النّصارى مثل ذلك. «سيرة ابن هشام ٢ : ١٦١ و ١٩٨ ، طبقات ابن سعد ١ : ١٨٠».
(١٣) كما في الاحتجاج للطبرسي : ٤٣.
(١٤) الإخلاص ١١٢ : ١.
(١٥) في المصدر : يا محمّد خصلة بقيت إن.
(١٦) في «ط» نسخة بدل : واتبعك.