عصاه.
فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه ، ويدانون له ، ويعملون حتى بعث الله الأرضة ، فأكلت منسأته ـ وهي العصا ـ فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ، ما لبثوا سنة في العذاب المهين ، فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان ، فلا تكاد تراها في مكان إلا وجد عندها ماء وطين.
فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ، ثم طواه وكتب على ظهره : هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم ، ومن أراد كذا وكذا فليفعل (٢) كذا وكذا ، ثم دفنه تحت السرير ، ثم استثاره لهم فقرأه ؛ فقال الكافرون : ما كان سليمان يغلبنا إلا بهذا ، وقال المؤمنون : بل هو عبد الله ونبيه ، فقال الله جل ذكره : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ـ إلى قوله ـ : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ)».
العياشي : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، وذكر الحديث بعينه (٣).
قوله تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ [١٠٤]
٥٧٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال موسى بن جعفر عليهماالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما قدم المدينة كثر حوله المهاجرون والأنصار ، وكثرت عليه المسائل ، وكانوا يخاطبونه بالخطاب الشريف العظيم الذي يليق به ، وذلك أن الله تعالى كان قال لهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (١).
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بهم رحيما ، وعليهم عطوفا ، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا ، حتى أنه كان ينظر إلى كل من كان يخاطبه فيعمد (٢) على أن يكون صوته صلىاللهعليهوآلهوسلم مرتفعا على صوته ، ليزيل عنه ما توعده الله به من إحباط أعماله ، حتى أن رجلا أعرابيا ناداه يوما وهو خلف حائط بصوت له جهوري : يا محمد ، فأجابه بأرفع من
__________________
(٢) في «ط» نسخة بدل : فليعمل.
(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٥٢ / ٧٤.
سورة البقرة آية ـ ١٠٤ ـ
١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٧٧ / ٣٠٥.
(١) الحجرات ٤٩ : ٢.
(٢) في المصدر : فيعمل.