بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، الذي له ملك السماوات والأرض ، ولم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، وخلق كل شيء فقدره تقديرا.
القائل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) ، (١) الذاكر : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً). (٢) والصلاة والسلام على محمد رسوله المصطفى ، وحبيبه المجتبى ، وعلى ابن عمه ووصيه علي بن أبي طالب المرتضى ، الذي جعله ظهيرا ووزيرا ، وآله المعصومين الأئمة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، الذين من والاهم نجا ، ومن عاداهم سيصلى سعيرا.
أما بعد ، فغير خفي على أهل الإسلام والإيمان شرف القرآن وعلو شأنه ، وغزارة علمه ، ووضوح برهانه ، وأنه الغاية القصوى ، والعروة الوثقى ، والمستمسك الأقوى ، والمطلب الأعلى ، والمنهاج الأسنى ، الذي من استمسك به نجا ، ومن تخلف عنه غوى ، الذي بدرسه وتلاوته والتفكر في معانيه حياة للقلوب ، وبالعلم به والعمل بما فيه التخلص من الكروب.
غير أن أسرار تأويله لا تهتدي إليه العقول ، وأنوار حقائق خفياته لا تصل إليه قريحة المفضول ، ولهذا اختلف في تأويله الناس ، وصاروا في تفسيره على أنفاس وانعكاس ، قد فسروه على مقتضى أديانهم ، وسلكوا به على موجب مذاهبهم واعتقادهم ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، ولم يرجعوا فيه إلى أهل الذكر (صلى الله عليهم أجمعين) ، أهل التنزيل والتأويل ، القائل فيهم جل جلاله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٣) لا غيرهم.
وهم الذين أوتوا العلم ، وأولوا الأمر ، وأهل الاستنباط ، وأهل الذكر الذين أمر الناس بسؤالهم كما جاءت به الآثار النبوية والأخبار الإمامية ، ومن ذا الذي يحوي القرآن غيرهم؟ ويحيط بتنزيله وتأويله سواهم؟
١ / ١ ـ ففي الحديث عن مولانا باقر العلم أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، قال : «ما يستطيع أحد أن
__________________
(١) الأحزاب ٣٣ : ٤٥ ، ٤٦.
(٢) الفرقان ٢٥ : ٣٣.
(٣) آل عمران ٣ : ٧.
١ ـ بصائر الدرجات : ٢١٣ / ١.