فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا ، وكيف يحرم الله الجدال جملة ، وهو يقول : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وقال الله تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)؟ فجعل الله علم الصدق والإيمان بالبرهان ، [وهل يؤتى بالبرهان] إلا في الجدال بالتي هي أحسن.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه : قولوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٣) أي نعبد واحدا ، لا نقول كما قالت الدهرية : إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ، ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا : إن النور والظلمة هما المدبران ، ولا كما قال مشركو العرب : إن أوثاننا آلهة ، فلا نشرك بك شيئا ، ولا ندعو من دونك إلها ، كما يقول هؤلاء الكفار ، ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى : إن لك ولدا ، تعاليت عن ذلك [علوا كبيرا]».
قال : «فذلك قوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا ، قال الله تعالى : يا محمد (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) التي يتمنونها بلا حجة (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم على دعواكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.
ثم قال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سمعوا براهينه وحججه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله لله (فَلَهُ أَجْرُهُ) ثوابه (عِنْدَ رَبِّهِ) يوم فصل القضاء (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العذاب (٤) (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عند الموت ، لأن البشارة بالجنان تأتيهم».
وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ معنى الجدال بالتي هي أحسن في تفسير قوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) من سورة النحل عن الصادق عليهالسلام (٥) والحديث طويل مذكور في تفسير العسكري عليهالسلام ، في تفسير قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) اختصرناه مخافة الإطالة.
قوله تعالى :
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى
لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ
__________________
(٣) الفاتحة ١ : ٥.
(٤) في المصدر : العقاب.
(٥) يأتي في الحديث (٣) من تفسير الآية (١٢٥) من سورة النحل.