فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده ، ولم يرها بعينه ، فكان كقاب قوسين بينها وبينه أو أدنى (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (٤) فكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة ، قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليهالسلام إلى أن بعث الله تبارك اسمه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعرضها على أمته فقبلوها ، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها ، فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه ، فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) ، فأجاب صلىاللهعليهوآلهوسلم مجيبا عنه وعن أمته ، فقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فقال جل ذكره : لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما إذا فعلت بنا ذلك (غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) يعني المرجع في الآخرة.
قال : فأجابه الله جل ثناؤه : وقد فعلت ذلك بك وبأمتك. ثم قال عز وجل : أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها ، وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها ، وقبلتها أمتك ، فحق علي أن أرفعها عن أمتك. وقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من شر.
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سمع ذلك : أما فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني. قال : سل. قال : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) ، قال الله عز وجل : لست او آخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك علي ، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت (٥) ذلك عن أمتك ، وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطإ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي.
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني. فقال الله تعالى له : سل. قال : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) ، يعني بالإصر : الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا. فأجابه الله عز وجل إلى ذلك ، فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على من كان من قبلنا. فأجابه الله عز وجل إلى ذلك ، فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة : كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع من الأرض معلومة (٦) اخترتها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلها لامتك مسجدا وترابها طهورا ، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك ، فرفعتها عن أمتك كرامة لك.
وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء لامتك طهورا ، فهذه من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك.
وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا
__________________
(٤) النجم ٥٣ : ١٠.
(٥) في المصدر : دفعت.
(٦) في المصدر : بقاع معلومة من الأرض.