والشهر الحرام ، والطهر والاغتسال من الجنابة ومكارم الأخلاق ومحاسنها وجميع البر ، وذكر ذلك في كتابه ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). (١٩) وعدوهم هم الحرام المحرم ، وأولياؤهم هم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة ، وهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والخمر والميسر والزنا والربا والميتة والدم ولحم الخنزير هي الحرام والمحرم وأصل كل حرام ، وهم الشر وأصل كل شر ، ومنهم فروع الشر كله ، ومن تلك الفروع ؛ استحلالهم الحرام وإتيانهم إياه ، ومن فروعهم تكذيب الأنبياء وجحود الأوصياء ، وركوب الفواحش من الزنا والسرقة ، وشرب الخمر والمسكر ، وأكل مال اليتيم وأكل الربا ، والخديعة والخيانة ، وركوب المحارم كلها ، وانتهاك المعاصي.
وإنما أمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ـ يعني مودة ذي القربى واتباع (٢٠) طاعتهم ـ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهم أعداء الأنبياء وأوصياء الأنبياء ، وهم المنهي عنهم وعن مودتهم وطاعتهم ، يعظكم بهذا لعلكم تذكرون.
وأخبركم أني لو قلت لكم : إن الفاحشة والخمر والزنا والميتة والدم ولحم الخنزير هو رجل ، وأنا أعلم أن الله عز وجل قد حرم هذا الأصل وحرم فروعه ونهى عنه ، وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا وشركاء ، ومن دعا إلى عبادة نفسه كفرعون إذ قال : أنا ربكم الأعلى ، فهذا كله (٢١) إن شئت قلت هو رجل ، وهو إلى جهنم وكل من شايعه على ذلك ، فإنهم مثل قول الله عز وجل : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (٢٢) لصدقت ، ثم أني لو قلت : إنه فلان ، وهو ذلك كله ، لصدقت أن فلانا هو المعبود من دون الله ، والمتعدي لحدود الله التي نهى عنها أن تتعدى.
ثم أخبرك أن أصل الدين هو رجل ، وذلك الرجل هو اليقين ، وهو الإيمان ، وهو إمام أهل زمانه ، فمن عرفه عرف الله ودينه (٢٣) وشرائعه ، ومن أنكره أنكر الله ودينه ، ومن جهله جهل الله ودينه وشرائعه ، ولا يعرف الله ودينه بغير ذلك الإمام ، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله.
والمعرفة على وجهين : معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله وتوصل إلى معرفة الله ، فهذه المعرفة الباطنة (٢٤) بعينها ، الموجبة حقها ، المستوجب عليها الشكر لله الذي من عليكم بها منا ، من الله الذي يمن به على
__________________
(١٩) النّحل ١٦ : ٩٠.
(٢٠) في المصدر و «ط» نسخة بدل : وابتغاء.
(٢١) في المصدر زيادة : على وجه.
(٢٢) البقرة ٢ : ١٧٣.
(٢٣) في «ط» زيادة : ومن لم يعرفه لا يعرف الله ودينه.
(٢٤) في المصدر زيادة : الثابتة.