من يشاء من عباده ، مع المعرفة الظاهرة ، ومعرفة في الظاهر من الحق (٢٥) على غير علم به ، لا يستحق أهلها ما يستحق أهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم ، ولا يصلون بتلك المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله ، كما قال في كتابه : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢٦) فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليها قلبه ، ولا يتبصر بها (٢٧) ، لم يثبه الله ثواب من عقد عليها قلبه وأبصرها ، وكذلك من تكلم بحرف (٢٨) لا يعقد عليه قلبه ، ولا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه ، وثبت عليه على بصيرة.
وقد عرفت كيف كان حال أهل المعرفة في الظاهر ، والإقرار بالحق على غير علم ، في قديم الدهر وحديثه إلى انتهاء الأمر إلى نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده صار الأمر إلى ما صار ، وإلى ما انتهت معرفتهم به ، فإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الذي أتوا (٢٩) به الله عز وجل ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وقد يقال : إن من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما كان دخل فيه ، رزقنا الله وإياكم معرفة ثابتة على بصيرة وأجزل.
وأخبرك أني لو قلت : إن الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والمسجد الحرام والبيت الحرام والمشعر الحرام والطهر والاغتسال من الجنابة وكل فريضة ، كان ذلك هو النبي الذي جاء به من عند ربه لصدقت ، لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا معرفة ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإقرار به والتسليم له ما عرفت ذلك ، فذلك من الله عز وجل على من يمن به عليه ، ولو لا ذلك لم أعرف شيئا من هذا.
فهذا كله ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أصله ، وهو فرعه ، وهو دعاني إليه ، ودلني عليه ، وعرفنيه ، وأمرني به ، وأوجب له علي الطاعة فيما أمرني به ، ولا يسعني جهله ، وكيف يسعني جهل من هو فيما بيني وبين الله عز وجل؟! وكيف يستقيم لي لو لا أني أصف دينا (٣٠) غيره؟! وكيف لا يكون ذلك هو معرفة الرجل؟! وإنما هو الذي جاء به عن الله عز وجل ، وإنما أنكر دين الله من أنكره بأن قال : أبعث الله بشرا رسولا؟! ثم قال : أبشر يهدوننا؟! فكفروا بذلك الرجل ، وكذبوا به ، وتولوا عنه وهم معرضون ، وقالوا : لولا أنزل عليه ملك؟
فقال الله تبارك وتعالى : (قُلْ ـ لهم ـ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) (٣١) ثم قال في آية أخرى : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً). (٣٢)
__________________
(٢٥) في المصدر : ومعرفة في الظاهر فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحقّ.
(٢٦) الزّخرف ٤٣ : ٨٦.
(٢٧) في المصدر : ولا يبصر ما يتكلّم به.
(٢٨) في المصدر : بجور.
(٢٩) في المصدر : دانوا.
(٣٠) في المصدر زيادة : هو الذي أتاني به ذلك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أصف أن الدّين.
(٣١) الأنعام ٦ : ٩١.
(٣٢) الأنعام ٦ : ٨ و ٩.