يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه ، وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدقين لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه ، حكيم فيما يفعل من ذلك ، غير مسرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات ، ولا واضع لها في غير موضعها وإن أتم له الكرامات ، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدد عليه العقوبات.
قال علي بن الحسين عليهماالسلام : وبهذه الآية وغيرها احتج علي عليهالسلام يوم الشورى على من دافعه عن حقه ، وأخره عن رتبته ، وإن كان ما ضر الدافع إلا نفسه ، فإن عليا عليهالسلام كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة ، جعله الله ليؤتم به في امور الدين والدنيا ، كما لا ينقص الكعبة ، ولا يقدح في شيء من شرفها وفضلها أن ولى عنها الكافرون ، فكذلك لا يقدح في علي عليهالسلام أن أخره عن حقه المقصرون ، ودافعه عن واجبه الظالمون.
قال لهم علي عليهالسلام يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر ، وبالغ وأوضح : معاشر الأولياء العقلاء ، ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أندادا ممن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم؟ أو لم يجعلني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لدينكم ودنياكم قواما؟ أو لم يجعل إلي مفزعكم؟ أو لم يقل لكم : علي مع الحق والحق معه؟ أو لم يقل : أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ أولا تروني غنيا عن علومكم وأنتم إلى علمي محتاجون؟ أفأمر الله تعالى العلماء باتباع من لا يعلم ، أم من لا يعلم باتباع من يعلم؟
يا أيها الناس ، لم تنقضون ترتيب الألباب ، لم تؤخرون من قدمه الكريم الوهاب؟ أو ليس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجابني إلى ما رد عنه أفضلكم ؛ فاطمة لما خطبها؟ أوليس قد جعلني أحب خلق الله إلى الله لما أطعمني معه من الطائر؟ أوليس جعلني أقرب الخلق شبها بمحمد نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ أفأقرب الناس به شبها تؤخرون ، وأبعد الناس به شبها تقدمون ، ما لكم لا تتفكرون ولا تعقلون»؟! قال : «فما زال يحتج بهذا ونحوه عليهم وهم لا يغفلون عما دبروه ، ولا يرضون إلا بما آثروه»!
قوله تعالى :
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [٢١٦]
١ ـ (دعائم الإسلام) : عن علي عليهالسلام أنه قال : «الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلف عنه ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد ، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوهم حتى يكتفوا ، قال الله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (١) فإن دهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلهم ، قال الله عز وجل : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً
__________________
مستدرك سورة البقرة آية ـ ٢١٦ ـ
١ ـ دعائم الإسلام ١ : ٣٤١.
(١) التوبة ٩ : ١٢٢.