والله تبارك وتعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال ، وأن يطاع بطاعتهم ، فجعلهم سبيله ووجهه الذي يؤتى منه ، لا يقبل من العباد غير ذلك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٣٣) وقال فيما أوجب من محبته لذلك : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (٣٤).
فمن قال لك : إن هذه الفريضة كلها هي رجل ، وهو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق ، ومن قال على الصفة التي ذكرت بغير طاعة لم يغن التمسك بالأصل بترك الفرع شيئا ، كما لا تغني شهادة أن لا إله إلا الله بترك شهادة أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولم يبعث الله نبيا قط إلا بالبر والعدل والمكارم ، ومحاسن الأخلاق ومحاسن الأعمال ، والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منها ولاية أهل الباطل (٣٥) والظاهر منها فروعهم.
ولم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر أو نهي ، إنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي فرضها (٣٦) على حدودها ، مع معرفة من جاءهم بها من عنده ودعاهم إليه ، فأول ذلك معرفة من دعا إليه ، ثم طاعته فيما افترض وأمر به ممن لا طاعة له.
وإنه من عرف أطاع ، ومن أطاع حرم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن لاستحلال الظاهر ، إنما حرم الله الظاهر بالباطن ، والباطن بالظاهر معا جميعا ، و [لا يكون] الأصل والفرع والباطن الحرام حراما وظاهره [حلالا] ، ويحرم الباطن ويستحل الظاهر.
كذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظاهر ، ولا الزكاة ، ولا الصوم ، ولا الحج ، ولا العمرة ، ولا المسجد الحرام ، وجميع حرمات الله وشعائره أن تترك بمعرفة الباطن لأن باطنه ظهره ، ولا يستقيم واحد منهما إلا بصاحبه ، إذا كان الباطن حراما خبيثا فالظاهر منه حرام [خبيث ، إنما يشبه الباطن بالظاهر من زعم] أنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة وقد كذب وأشرك ، وذلك لم يعرف ولم يطع.
وإنما قيل : اعرف واعمل ما شئت من الخير ، فإنه يقبل ذلك منك ، ولا يقبل ذلك منك بغير معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة والخير ـ قل أو كثر ـ بعد أن لا تترك شيئا من الفرائض والسنن الواجبة ، فإنه مقبول منك جميع أعمالك.
وأخبرك أنه من عرف [أطاع] ، فإذا عرف صلى وصام وحج واعتمر ، وعظم حرمات الله كلها ولم يدع منها شيئا ، وعمل بالبر كله ومكارم الأخلاق كلها ، واجتنب سيئها ، وكل ذلك هو النبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أصله ، وهو أصل هذا كله ، لأنه هو الذي جاء به ودل عليه وأمر به.
ولا يقبل الله عز وجل من أحد شيئا إلا به ، فمن عرفه اجتنب الكبائر والفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن ،
__________________
(٣٣) الأنبياء ٢١ : ٢٣.
(٣٤) النّساء ٤ : ٨٠.
(٣٥) في «س» : الباطن.
(٣٦) في المصدر : افترضها.