في باطنه بخلاف ذلك ، فقال : (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (١٠١) فهذا تفسير الرخصة ، ومعنى قول الصادق عليهالسلام : «إن الله تبارك وتعالى يحب أو يؤخذ برخصه ، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه».
وأما ما لفظه خبر ومعناه حكاية ، فقوله : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (١٠٢) وهذا حكاية عنهم ، والدليل على أنه حكاية ، ما رد الله عليهم في قوله : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). (١٠٣) وقوله يحكي قول قريش : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١٠٤) فهو على لفظ الخبر ومعناه حكاية ، ومثله كثير نذكره في مواضعه.
وأما ما هو مخاطبة للنبي (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) والمعنى لأمته ، فقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (١٠٥) فالمخاطبة للنبي (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) والمعنى لأمته ، وقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) (١٠٦) ومثله كثير مما خاطب به نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم والمعنى لأمته ، وهو قول الصادق عليهالسلام : «إن الله بعث نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بإياك أعني ، واسمعي يا جارة».
وأما ما هو مخاطبة لقوم ومعناه لقوم آخرين ، فقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَ ـ أنتم ، يا معشر أمة محمد ـ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (١٠٧) فالمخاطبة لبني إسرائيل ، والمعنى لأمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأما الرد على الزنادقة ، فقوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) (١٠٨) وذلك أن الزنادقة زعمت أن الإنسان إنما يتولد بدوران الفلك ، فإذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها الأشكال والغذاء ، ومر عليها الليل والنهار ، فيتربى الإنسان ويكبر لذلك ، فقال الله تعالى ردا عليهم : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) يعني من يكبر ويعمر يرجع إلى حد الطفولية ، يأخذ في النقصان والنكسة.
فلو كان هذا ـ كما زعموا ـ لوجب أن يزيد الإنسان ما دامت الأشكال قائمة ، والليل والنهار يدوران عليه ، فلما بطل هذا ، وكان من تدبير الله عز وجل ، أخذ في النقصان عند منتهى عمره.
وأما الرد على الثنوية ، فقوله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) قال :
__________________
(١٠١) آل عمران ٣ : ٢٨.
(١٠٢) الكهف ١٨ : ٢٥.
(١٠٣) الكهف ١٨ : ٢٦.
(١٠٤) الزّمر ٣٩ : ٣.
(١٠٥) الطّلاق ٦٥ : ١.
(١٠٦) الإسراء ١٧ : ٣٩.
(٠٧) الإسراء ١٧ : ٤.
(١٠٨) يس ٣٦ : ٦٨.