الهدنة والمباينة ، بناءً على إرادة ما يقابل أهل الذمّة من أهل الحرب وهم الّذين لا يلتزمون شرائط الجزية وإن كانوا لا يتعرّضون المسلمين بالقتال والمحاربة.
وفي مقابلهما رواية أبي بكر الحضرمي قال : «دخلنا على أبي عبد الله عليهالسلام فقال له حكم السرّاج : ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها؟ فقال : لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المبائنة حرم عليكم أن يحملوا إليهم السروج والسلاح» (١) ورواية هند السرّاج قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أصلحك الله أنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم ، فلمّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال لي : احمل إليهم وبعهم ، فإنّ الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك» (٢) وصريحه كالأوّل اختصاص الحكم بصورة المبائنة المقابلة للهدنة وهو صلح المسلمين مع أهل الحرب على ترك الحرب إلى مدّة معيّنة ، فتكون بمعنى ارتفاع الصلح أو انقضاء زمانه ، ولا يكون إلّا بعزم أهل الحرب على قتال المسلمين وتهيّؤهم له وإن لم يتحرّكوا عن مقرّهم وأوطانهم بعد. فوجب الخروج من إطلاق الأوّلين بحملهما عليهما من باب حمل المطلق على المقيّد دفعاً للمعارضة الظاهرة.
فالمحصّل من المجموع بعد إعمال الجمع بين المطلقات والمقيّدات هو حرمة بيع السلاح لأهل الحرب من أعداء الدين في حال المبائنة وارتفاع الهدنة والصلح الّذي يتحقّق بالعزم على قتال المسلمين والتهيّؤ له وإن لم يتشاغلوا به بعد ، بل ولم يخرجوا عن منازلهم وأوطانهم كما يرشد إليه الخبران الأوّلان لتضمّنهما النهي عن حمل السلاح إلى الشام عند صيرورة المبائنة والحرب. فما تقدّم من الجماعة : من إطلاق القول بالتحريم حتّى في صورة الهدنة والصلح ولا سيّما الشهيد في حواشيه (٣) لصراحة كلامه فيه ، غير صحيح ، لكونه طرحاً للمقيّدات من روايات المسألة.
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ١٠١ / ١ ، ب ٨ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١١٢ / ١.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٠١ / ٢ ، ب ٨ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١١٢ / ٢.
(٣) حاشية الشرائع : ٣٢٦.