أو سفهيّة المعاملة. والأوّل لا يتمشّى في المقام لأنّ معقد الإجماع بقسميه إنّما هو ما لا ينتفع به ، وهذا ممّا ينتفع به لأنّ المنفعة المقصودة من النوع حاصلة بعينها في الشخص. ومن ذلك علم عدم تمشّي الثاني أيضاً. والثالث أيضاً لا يتمشّى لضرورة أنّه يتملّك بالحيازة. وكذلك الرابع فإنّه مال عند العقلاء وله قيمة ، غاية ما هنالك عدم بذلهم المال في الغالب لتحصيله لتيسّر بالحيازة والأخذ من النهر أو البحر أو الآجام أو حشاش الأرض أو نحو ذلك ، لا أنّه في نفسه ليس. والخامس يتفاوت بحسب اختلاف الأشخاص وحالات شخص واحد بحسب الأزمنة والأوقات ، فالحكم منعاً وجوازاً يدور على سفهيّة بذل المال في مقابله وجوداً وعدماً ، فإطلاق المنع غير جيّد جدّاً.
وثالثها : قال في التذكرة : «أمّا العلق ففي بيعه لمنفعة امتصاص الدم إشكال ، وأظهر وجهي الشافعي وأحمد الجواز (١) وكذا ديدان القزّ تُترك في الشصّ (٢) فيصاد بها السمك ، والأقرب عندي المنع وهو أحد الوجهين لهما ، لندور الانتفاع فأشبه ما لا منفعة فيه ، إذ كلّ شيء فله نفع ما» (٣).
أقول : استقراب المنع في العلق غير جيّد ، لأنّ مصّ الدم لاستعلاج جملة من الأمراض الدمويّة الصعبة منفعة يقصدها العقلاء ويعتنون بها ويقابلونه لأجلها بالمال بل يعدّونه مالاً ويتملّكونه بالأخذ من الماء من غير نكير ولا تسفيه لفاعله ، ومن أقوى الشاهد عدم كون المعاملة لأجلها وبذل المال في مقابله سفهيّة ، فيندرج في عمومات الجواز والصحّة.
المقام الثاني : فيما يرجع الكلام فيه إلى الصغرى أعني الأشياء المختلف في كونها ممّا لا ينتفع به كالمسوخ والسباع ، وفيه مقصدان :
المقصد الأوّل في المسوخ : فاعلم أنّ هذا اللفظ بضمّ أوّله على زنة فعول جمع المسخ بفتح أوّله ، نظير درس ودروس ، وحرب وحروب ، ودرب ودروب ، وبحر وبحور ، وما أشبه ذلك. والمسخ ورد مصدراً واسماً.
__________________
(١) المجموع ٩ : ٢٤١ ، المغني ٤ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠.
(٢) الشصّ : شيء يصاد به السمك (الصحاح ٣ : ١٠٤٣).
(٣) التذكرة ١٠ : ٣٦.