ولو قال : أهل هذه البلدة كلّهم كذا وكذا إلّا بعضاً منهم أو إلّا جماعة منهم ، فكونه غيبة وعدمه مبنيّ على إرادة البعض المعيّن أو الجماعة المعيّنة أو البعض المبهم أو الجماعة المبهمة من المستثنى ، والسرّ فيه أنّ إجمال المستثنى على الثاني يسري إلى المستثنى منه بخلافه على الأوّل فيكون اغتياباً لكلّ واحد من آحاد الباقي من المستثنى منه.
الأمر العاشر : لا فرق في الغيبة موضوعاً وحكماً بين ما لو كان ما يذكر فيه من العيب عيباً في بدنه أو نسبه أو شأنه وشغله أو خلقه أو فعله أو قوله أو لقبه أو ثوبه أو داره أو دابّته أو غير ذلك ممّا يضاف إليه كما هو المصرّح به في كلام جماعة (١) فالأوّل : يقول فلان أعمى أو أعور أو أعرج أو أقرع أو قصير أو طويل أو أسود أو أصفر ، والثاني : ككونه كرديّاً أو خالديّاً أو نحو ذلك ، والثالث : ككونه كنّاساً أو حمّالاً أو نحو ذلك ، والرابع : ككونه سيّئ الخُلُق أو لئيماً أو متكبّراً أو مرائياً أو جباناً وما أشبه ذلك ، والخامس : ككونه سارقاً أو خمّاراً أو لاطياً أو ظالماً أو فاسقاً أو متهاوناً في دينه ، والسادس : ككونه كذوباً أو كثير الكلام أو سيّئ الكلام أو فحّاشاً أو مغتاباً ، والسابع : الألقاب المشعرة بالذمّ ، والثامن : ككونه وسخ الثياب أو طويل الأذيال أو غير ذلك ، والتاسع والعاشر : واضحان. هذا كلّه في موضوع الغيبة.
وأمّا حكمها فهي الحرمة بل هي من المعاصي الكبيرة بالإجماع والكتاب والسنّة ، بل قيل كما عن الشيخ النجفي في شرحه للقواعد (٢) ووافقه بعض مشايخنا (٣) بالأدلّة الأربعة. ولكن تتميمه من حيث العقل بأن يكون العقل مستقلّاً في إدراك قبحه مشكل ، إلّا حيث يندرج في عنوان الظلم أو الإيذاء أو الإهانة ، والأولى الاقتصار على ما ذكرنا.
فمن الإجماع ، المحصّل منه ضروري ، ومنقوله متواتر ، ولا يبعد دعوى كونه من ضروريّات الدين.
ومن الكتاب قوله تعالى : «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
__________________
(١) كما في كشف الريبة : ٦٠ ، الجواهر ٢٢ : ٦٤.
(٢) شرح القواعد ١ : ٢٢٢.
(٣) الجواهر ٢٢ : ٦٥. «٣»