المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك» (١).
وفيهما : المنع من الدلالة على جواز غيبة الفاسق.
أمّا الأوّل فلأنّه ـ مع أنّ العدالة لا تتحقّق بمجرّد الصفات المذكورة ـ فيه لا ينفي حرمة غيبة من عدا الموصوف بها ، بل في قوله : «كان ممّن حرمت غيبته» دلالة على أنّ في غيره أيضاً من يحرم غيبته فيدخل فيه الفاسق في الجملة هذا. ولكنّ العمدة في منع الدلالة أنّ اجتماع هذه الصفات الثلاث لا ينافي الفسق بل يجامعه ، لأنّ أسباب الفسق لا تنحصر في الظلم في المعاملات مع الناس والكذب في الحديث وخلف الوعدة ، مع إمكان أن يقال بدخول من انتفى عنه الصفات الثلاث على وجه الدوام في المتجاهر فهو موضوع المفهوم لا غير.
وأمّا الثاني فلأنّه غير متعرّض لحكم الغيبة أصلاً ، لأنّ المراد من حرمة ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه حرمة التفحّص والتجسّس عن بواطن من كان ساتراً لجميع عيوبه والتفتيش لخفاياه لظهور العطف في التفسير ، وهذا كما ترى حرام آخر لا مدخل للغيبة فيه وهو الّذي نصّت الآية بتحريمه حيث قال تعالى : «وَلا تَجَسَّسُوا» (٢) وإن كانت الغيبة أيضاً محرّمة. وبالجملة الصحيحة ليست بصدد بيان حكم للغيبة لا بإثبات تحريم ولا بنفيه لا منطوقاً ولا مفهوماً ، ولو سلّم فهي بالمفهوم لا تدلّ إلّا على جواز غيبة المتجاهر لأنّ من لا يكون ساتراً لجميع عيوبه لا يكون إلّا متجاهراً ولو في بعض عيوبه.
واستثني من الغيبة المحرّمة امور :
الأوّل : المتجاهر بالفسق الّذي نسب استثناؤه إلى جماعة (٣) ولعلّه ممّا لا خلاف فيه حيث لم نقف على نقل مخالف فيه ، وإنّما يحتاج إلى استثنائه إذ لم نقل بخروجه الموضوعي بعدم أخذ الستر في مفهومها كما هو الأقوى على ما تقدّم ، وإلّا فعلى أخذه في مفهومها كما هو المستفاد من عبارة الصحاح والمجمع ومن حسنة ابن سنان فذكره بعيوبه الغير المستورة ليس غيبة حتّى ينظر في تحريمه وعدم تحريمه ، والمراد به المتظاهر بفسقه من «جهر» بمعنى ظهر ، وهو الّذي يرتكب القبيح جهاراً ولا يبالي
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ٣٩١ / ١ ، ب ٤١ أبواب الشهادات ، الفقيه ٣ : ٢٤ / ٦٥.
(٢) الحجرات : ١٢.
(٣) كما في القواعد ٢ : ١٤٨ ، الروضة ٣ : ٢١٤ ، الكفاية : ٨٧.