ـ كأن يقول : إنّ لي جاراً أو صديقاً أو قريباً يفعل كذا وكذا ، أو يقول : رجل يفعل كذا ـ فالظاهر وجوب الاقتصار عليه وعدم جواز التعدّي من الإبهام إلى التصريح عملاً بعموم تحريم الغيبة وعدم ظهور مخرج للفرض عن أدلّته ، فإنّ التقرير المستفاد من الرواية دليل لبّي ويقتصر فيه على القدر المقطوع به من مورده.
الرابع : التحذير ، وهو تخويف المؤمن عن الوقوع في ضرر ديني أو دنيوي بما يتضمّن الوقيعة في الضارّ ، ويندرج فيه أنواع :
الأوّل : منع طلبة العلوم عن الاشتغال عند من طريقته باطلة كالطريقة الأخباريّة مثلاً أو عقيدته فاسدة بذكر بطلان طريقته أو فساد عقيدته ليحذروه ، ومنه منع الناس عن مخالطة من يضلّهم في دينهم أو مذهبهم الحقّ. وهذا ممّا لا إشكال في جوازه بل وجوبه وإن تضمّن الوقيعة في الرجل وإشاعة سرّه ، لقوله تعالى : «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (١) وهذا دعاء إلى الخير ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في صحيح داود بن سرحان المتقدّم : «إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا في سبّهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم لكيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ...» (٢) الخ. ولكن في كونه من الغيبة حتّى يحتاج إلى دليل الجواز تأمّل بل منع في غير من طريقته باطلة لانتفاء الإيمان والمؤاخاة المأخوذ في الغيبة.
الثاني : منع الناس عن الرجوع إلى عالم غير قابل للقضاء والإفتاء بذكر عدم قابليّته وعدم كونه أهلاً لهما ليحذروه ولا يفسد أعمالهم وأموالهم ، والظاهر جوازه بل وجوبه ، للآية المذكورة ، مع كون مصلحة الهداية وإرشاد الجاهل وتنبيه الغافل أعظم وأقوى من مفسدة الغيبة ومصلحة حرمة المؤمن ، وعليها مدار إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأوصياء ، ولكن ينبغي مراعاة عدم ترتّب مفسدة على الفعل كتوهين النوع ، أو انفتاح باب وقوع الناس في الغيبة أو الفساد من جهته ، أو اتّهام نفسه بكونه مغرضاً.
الثالث : منع المؤمن عن معاشرة من يضرّه في دنياه نفساً أو عرضاً أو مالاً ، كالمنع
__________________
(١) آل عمران : ١٠٤.
(٢) تقدّم في الصفحة : ٢٤٣.