لدفعه أنّ المقاصد الخمس ملحوظة على وجه الحكمة وهي عبارة عن علّة التشريع ولا يعتبر فيها الاطّراد فلا بدّ لإثبات وجوب حفظ الأنساب على المكلّفين على وجه يستباح به المحرّمات الّتي منها الغيبة من دليل وهو غير واضح ، فالأولويّة غير ثابتة ، وحينئذٍ فلا محيص لاستباحة الغيبة بنفي النسب من إدراجه في إحدى العناوين الاخر المستثناة كالتحذير أو نصح المستشير أو الجرح أو الشهادة لإقامة الحدود وحفظ الأموال أو النهي عن المنكر ، فلا يكون عنواناً مستقلّاً في باب المستثنيات.
الثاني عشر : ذمّ أولاده وعياله وأتباعه وغيرهم من الملتحقين به ببعض الأوصاف تأديباً لهم كما ذكره الشيخ في شرح القواعد ، وعلّله أوّلاً : «بأنّ المذكورين لهم حكم آخر في التأديب ، وثانياً : بقضاء الحكمة بذلك ، وثالثاً : بقضاء السيرة به ، ورابعاً : بخوف الوقوع فيما هو أعظم من ذلك» (١).
والكلّ منظور فيه ، أمّا الأوّل : فلأنّ ثبوت الولاية للإنسان في تأديب أولاده وأتباعه في الجملة ممّا لا كلام فيه كما في أولاده الأصاغر ومماليكه ولذا يجوز ضربهم تأديباً أيضاً ، وأمّا ولايته على التأديب بقول مطلق ـ حتّى في أولاده الكبار وزوجاته وسائر من يدخل في عيلولته وأتباعه من الخدم والأقارب المخصوصين به بحيث يستباح به المحرّمات الّتي منها اغتيابهم والكشف عن عيوبهم وأوصافهم الذميمة وأعمالهم الشنيئة ـ يحتاج إلى دليل.
وأمّا الثاني : فلأنّ كون التأديب من مصالح الأولاد والأهل والأتباع مسلّم لا كلام فيه ، بل الكلام في وجوبه وأقوائيّة مصلحته بحيث تزاحم مفسدة الغيبة وإشاعة الفاحشة ، وهو أوّل المسألة إذ لم نقف على دليل عامّ من العقل أو الشرع عليه ، وكون حسن التأديب ممّا يستقلّ بإدراكه العقل لا يسلّم في مقابلة استباحة الغيبة الّتي هي من الكبائر وورد فيها أنّها أشدّ من الزنى ، وغير ذلك من التوعيدات والتهديدات.
وبالجملة لا يسلّم في العقل إدراك حسن للغيبة الّتي ورد في قبحها من الشرع ما ورد لأجل كونها تأديباً أو للتوصّل بها إلى التأديب ، وغاية ما يسلّم من حسنه
__________________
(١) شرح القواعد ١ : ٢٣٠.