وقد يصرف به قلب الحبيب عن محبوبه فيزول محبّته ويعتريه العداوة والبغضاء حتّى يبلغ به إلى تعريض نفسه لقتله وإهلاكه ، ومنه السعاية عن الضعفاء عند الأقوياء وعن الرعيّة عند السلاطين والامراء. وفي هذا يلخّص الأنواع الّتي ذكرها الرازي. وفي رواية الاحتجاج (١) الآتية دلالة على كون النميمة من السحر بل من أكبر السحر.
ثمّ يبقى الكلام ممّا يتعلّق بموضوع السحر جهتان :
إحداهما : أنّ السحر هل هو أمر ممكن على معنى إمكان تأثيره في الآثار المذكورة له بأنواعه أو لا؟ قيل بالإمكان ، ولعلّه مذهب الأكثر إذ القول بالامتناع لم ينقل إلّا عن الشيخ في الخلاف (٢) والظاهر أنّ النزاع هنا في القول بالإمكان على وجه الإيجاب الجزئي والقول بالامتناع على وجه السلب الكلّي ، إذ بعض أنواعه المتقدّمة عن الرازي ممّا لا يمكن لأخذ الاسترابة في امتناعه لابتنائه على القول بإلهيّة الأفلاك والكواكب ، أو أدائه إلى الشرك بالله بالنسبة إلى النفس الناطقة لتضمّنه القول بالفعّاليّة والخلّاقيّة لها ، ولو بواسطة الأنوار الفائضة إليها من الأرواح السماويّة والنفوس الفلكيّة كما في النوع الأوّل والنوع الثاني ، وأيّاً ما كان فهو باطل محال.
وكيف كان فاستدلّ القائل بالإمكان بالأصل المعروف المعبّر عنه بأصالة الإمكان فيما دار بينه وبين الامتناع ، واستشهد لذلك بما عن الشيخ الرئيس الشيخ أبي علي من قوله : «كلّما قرع سمعك شيء ولم يقم على امتناعه برهان فذره في بقعة الإمكان» وغاية ما يمكن أن يقال في توجيهه : إنّ المراد بالإمكان هنا الإمكان العامّ المقيّد بلا ضرورة جانب العدم ، والامتناع هو ضرورة العدم ، ودوران الأمر بينهما معناه أنّه لا يدري أنّه من المعدوم الّذي لم يصر العدم ضروريّاً له ، أو من المعدوم الّذي صار العدم ضروريّاً له ، وضرورة العدم قيد زائد ، والمدّعي للإمكان ينفي هذه الزيادة فهو في فسحة عن مطالبة الدليل ، والقائل بالامتناع يدّعي الزيادة فعليه بإقامة الدليل ، فإذا لم يكن دليل على الزيادة يحكم بعدمها ومعناه الحكم بالإمكان.
وفيه نظر ، إذ غاية ما يلزم من عدم الدليل على القيد الزائد هو الوقف لا الحكم
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٨١.
(٢) الخلاف ٥ : ٣٢٧ المسألة ١٤.