النميمة الّتي هي من أكبر السحر وترتّب آثار فنون الفساد واضح لا يمكن إنكاره إلّا من مكابر متعسّف.
ويدلّ على ذلك الرواية المرويّة عن الاحتجاج في حديث الزنديق الّذي سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن مسائل كثيرة ، منها ما ذكره بقوله : «أخبرني عن السحر ما أصله؟ وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟ قال أبو عبد الله عليهالسلام : إنّ السحر على وجوه شتّى :
منها بمنزلة الطبّ كما أنّ الأطبّاء وضعوا لكلّ داء دواءً ، فكذلك علم السحر احتالوا لكلّ صحّة آفة ولكلّ عافية عاهة ولكلّ معنى حيلة ، ونوع آخر منه خطفة وسرعة ومخاريق وخفّة ، ونوع منه ما يأخذه أولياء الشياطين منهم ، قال : فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال : من حيث علم الأطبّاء الطبّ بعضه بتجربة وبعضه بعلاج ، قال : فما تقول في الملكين هاروت وماروت وما يقول الناس إنّهما يعلّمان السحر؟ قال : إنّما هما موضع ابتلاء وموقف فتنة ، تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا ، ولو تعالج بكذا وكذا لصار كذا ، فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنّما نحن فتنة فلا تأخذوا عنّا ما يضرّكم ولا ينفعكم قال : أفيقدر الساحر على أن يجعل الإنسان بسحره في صورة كلب أو حمار أو غير ذلك؟ قال : هو أعجز من ذلك ، وأضعف من أن يغيّر خلق الله ، إنّ من أبطل ما ركّبه الله تعالى وصوّر غيره فهو شريك الله في خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهَرَم والآفة والأمراض ، ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته ، وأنّ من أكبر السحر النميمة يفرّق به بين المتحابّين ، ويجلب العداوة على المتصافّين ، ويسفك به الدماء ، ويهدم بها الدور ، ويكشف بها الستور ، والنمّام شرّ من وطأ الأرض بقدمه ، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنّه بمنزلة الطبّ ، أنّ الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبرأه ...» (١) الحديث.
المقام الثاني : في حكم السحر الّذي يتكلّم فيه تارةً من حيث علمه ، واخرى من
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٨١.