المقام الأوّل : في الشعبذة.
وكونها ملحقة بالسحر مبنيّ على عدم كونه من أنواعه وحينئذٍ تمسّ الحاجة إلى تجشّم الاستدلال على حكمه ، وإلّا فعلى القول بكونه منه ـ كما تقدّم عن الرازي حيث جعل التخييلات والأخذ بالعيون من أنواعه ، فإنّه بظاهر العنوان مع ملاحظة الأمثلة المذكورة له منطبق على الشعبذة ، فإنّ الأخذ بالعين ما يعبّر عنه بالفارسيّة بـ «چشمبندى». وحاصل معناه أن يسترق إنسان بسرعة يده ونحوها بالحركة عين إنسان آخر فيرى الشيء الصادر عنها على غير حقيقته وعلى خلاف ما عليه أصله ، فيتخيّل أنّ له أصلاً وحقيقة ، ونظيره النار المتحرّكة على الاستدارة بسرعة حيث ترى على هيئة الدائرة فيتخيّل الحركات الشعاعيّة متّصلة بعضها ببعض ، مع أنّه ليس كذلك في الواقع ونحوها القطرة المتساقطة فترى على هيئة الخطّ المستقيم المستطيل ويرى ساكن السفينة الشطّ وساحله متحرّكاً والسفينة واقفة إلى غير ذلك من النظائر. ويظهر كونها من السحر من عبارة القاموس حيث عرّفه «بما لطف مأخذه ودقّ» (١) أي خفي سببه ، ومن عبارة مجمل اللغة «إخراج الباطل بصورة الحقّ» (٢) ويدلّ عليه رواية الاحتجاج المتقدّمة في حديث الزنديق حيث قال عليهالسلام : «ونوع آخر خطفة وسرعة ومخاريق وخفّة» (٣) ـ فلا حاجة إلى تجشّم الاستدلال بإقامة دليل آخر على تحريمها بل يكفي فيه الأدلّة المقامة على تحريم السحر لأنّها منه حقيقة ، بل لا حاجة حينئذٍ إلى إفرادها بالبحث.
وأمّا على تقدير عدم كونها منه ـ كما عليه مبنيّ إفرادها بالبحث ـ فتمسّ الحاجة إلى بيان حكمها بعد معرفة موضوعها فنقول : قد ذكر في القاموس «المشعبذ المشعوذ وقد شعبذ يشعبذ». وظاهره كون الشعبذة والشعوذة بمعنى وذكر في مادّة شعوذة ـ أنّها خفّة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأى العين وهو مشعوذ ومشعوذ» (٤) وعرّفها الشهيد في الدروس «بأنّها أفعال عجيبة تترتّب على سرعة اليد بالحركة فتلتبس على الحسّ ...» (٥) الخ. والأظهر عدم كونها من خواصّ اليد ولذا
__________________
(١) القاموس ٢ : ٤٥.
(٢) مجمل اللغة ١ : ٤٨٨.
(٣) تقدّم في الصفحة : ٣٠٥.
(٤) القاموس ١ : ٣٥٥.
(٥) الدروس ٣ : ١٦٤.