المقام الثالث : في القيافة.
قال في المجمع في الحديث : «لا آخذ بقول قائف ، هو الّذي يعرف الآثار ويلحق الولد بالوالد والأخ بأخيه ، والجمع قافة من قولهم قَفْتُ أثره إذا تبعته مثل قَفَوْتُ أثره ، وقاف الرجل يقوف قوفاً من باب قال تبعه» (١) ويقرب منه ما في القاموس قائلاً : «والقائف من يعرف الآثار ، جمع قافة ، وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه ...» (٢) إلى آخر ما ذكره.
وظاهرهما عدم بناء هذه المادّة على القيافة مصدراً ولا اسماً وإلّا لم يتركا ذكرها في تصاريف هذه المادّة ، فيكون القيافة حينئذٍ اسماً للصناعة المعهودة من الألفاظ المبتدئة المخترعة. وربّما يحتمل كون بنائها على الأجوف لضرب من النقل أي نقل العين مكان اللام واللام مكان العين بفرض كونه بحسب الأصل من الناقص ، كقفى يقفو واقتفى.
وكيف كان فالقيافة ـ على ما في المسالك (٣) والروضة (٤) وغيرهما (٥) ـ الاستناد إلى علامات ومقادير يترتّب عليها نسب شخص إلى شخص وإلحاقه به ، كالولد بوالده والأخ بأخيه.
وأمّا حكمها فالمعروف بينهم كونها حراماً ، وعن الحدائق (٦) نسبته إلى الأصحاب مؤذناً بالإجماع عليه ، وعن الكفاية «لا أعرف خلافاً فيه» (٧) وعن المنتهى (٨) والتنقيح (٩) والمفاتيح (١٠) الإجماع عليه.
وخلاصة القول فيها : أنّها صناعة من الصناعات ، والتكلّم في حكمها إن كان من حيث تعلّمها وتحصيل ملكتها فالوجه فيه الجواز ، إذ لا دليل على تحريمه فيبنى فيه على الأصل ، وإذا جاز تعلّمها لم يحرم إبقاؤها بعد التعلّم ولا يجب إزالتها بالتناسي ونحوه ، للأصل أيضاً. وربّما يستشمّ كونها في نفسها ممدوحة ممّا في رواية أبي بصير بعد قول السائل عن القافة ما يقولون شيئاً إلّا يقرب ممّا يقولون من قوله عليهالسلام : «القيافة
__________________
(١) مجمع البحرين ٣ : ٥٦٠.
(٢) القاموس : ٣ : ١٨٨. (٣) المسالك ٣ : ١٢٩.
(٤) الروضة ١ : ٢٧٣.
(٥) كما في جامع المقاصد ٤ : ٣٣ ، التنقيح ٢ : ١٣.
(٦) الحدائق ١٨ : ١٨٣. (٧) الكفاية : ٨٧.
(٨) المنتهى ٢ : ١٠١٤. (٩) التنقيح ٢ : ١٥.
(١٠) المفاتيح ٢ : ٢٤.