وبذلك يندفع ما عساه يقال في منع الملازمة : من تنظير المقام بالروح بعد مفارقة البدن من حيث إنّه يعلم ويدرك ولا حياة له ، إذ لا يقال إنّه حيّ كما لا يخفى.
المقام الثاني : فيما يتعلّق بالأجرام العلويّة وحركاتها واتّصالاتها من حيث التأثير وعدمها في الحوادث السفليّة ، فإنّ المنجّمين لهم في ذلك أقوال مختلفة :
فإمّا أن يقال : بأنّها المدبّرة للعالم المؤثّرة في الكائنات والحوادث بالاستقلال على وجه يرجع إلى نفي وجود الصانع تعالى ، أو على وجه يرجع إلى تعطيله عن التدبير والتأثير مع كونها قديمة لذواتها أو باعتبار الزمان أو حادثة ، ومعنى الأخيرين أنّ الصانع تعالى لمّا خلقها قديمة زماناً أو حادثة فوّض أمر التدبير والتأثير إليها ، وحينئذٍ فإمّا أن يكون بحيث خرج الأمر عن تحت قدرته فلا يقدر على منعها عن التدبير والتأثير ، أو لا بل يقدر على المنع ولكنّه لا يمنع. وعلى جميع هذه التقادير الأربع فإمّا أن تكون مجبولة على التدبير والتأثير على معنى كونها فاعلة بالإيجاب كالنار في فعل الإحراق ، أو تكون مختارة فيهما على معنى كونها فاعلة بالاختيار.
أو يقال : بأنّها مؤثّرة لا بالاستقلال إمّا بأن يكون التأثير قائماً بها بشرط إرادته تعالى أو قائماً به تعالى بشرط توسّطها فتكون كالآلة والمعدّ ، إمّا لأمر راجع إلى الفاعل بأن لا يقدر على التأثر إلّا بهذه الآلة ، أو لأمر يرجع إلى القابل بأن لا يقبل الأثر إلّا بهذه الواسطة.
أو يقال : بعدم مدخليّة لها أصلاً بل المدبّر للعالم والمؤثّر في الكائنات والحوادث بالاستقلال هو الصانع تعالى إلّا أنّه جرى عادته بأن لا يفعل إلّا عند حركات الأفلاك واتّصالات الكواكب وأوضاعها المخصوصة بحيث لم يتغيّر عادته تعالى أصلاً ، فتكون هذه الحركات والأوضاع المخصوصة علامات دائميّة للآثار الحادثة من تأثيره تعالى ، أو بحيث جاز تغيّرها بالصدقة أو الدعاء أو غيرهما ، أو لا على وجه جرى عادته بذلك على الوجه الكلّي ، فيمكن أن يكون فيما يفعله تعالى من خلق أو تدبير أو تأثير ما لا يرتبط بحركات الأجرام العلويّة وأوضاع الكواكب المخصوصة أصلاً وإن كان في تلك الحركات والأوضاع المخصوصة أيضاً ما قد يرتبط به فعله تعالى وتأثير ارتباط ذي العلامة بالعلامة وارتباط المكشوف عنه بالكاشف.