وينبغي أن يقيّد بكون الخفاء وعدم الظهور لذاته لا لمسامحة المشتري في التحرّي ، فإنّه لو كان على هذا الوجه لا حرمة فيه ولا أظنّ قائلاً بحرمته.
ثمّ الغشّ بما يخفى في جميع أنواعه قد يكون لغرض آخر غير البيع وهذا أيضاً ليس بمحرّم بالضرورة. وما كان منه للبيع قد يكون البائع يعلم المشتري بغشّه ، وهذا أيضاً لا حرمة فيه قولاً واحداً. فموضوع المسألة هو الغشّ بما لا يعرفه المشتري إلّا بإعلام البائع وهو لا يعلمه ، وحينئذٍ فغشّ المسلم على ما ورد في الأخبار إنّما يكون ببيعه المغشوش من المسلم ، وإطلاق الغشّ على البيع حينئذٍ كما في قوله عليهالسلام : «ليس من المسلمين من غشّهم» (١) وقوله أيضاً : «من غشّ الناس فليس بمسلم» (٢) وقوله أيضاً : «ليس منّا من غشّ مسلماً أو ماكره» (٣) مجازي من باب وصف الشيء بصفة متعلّقه ، فإنّ الوصف حاصل في المبيع لا في نفس البيع.
ويمكن كون القدر الجامع بين الأنواع المذكورة هو الخيانة وهي المرادة من الغشّ كما يقتضيه كلام بعض أهل اللغة ويقتضيه المقابلة بينه وبين النصح ، ويساعد عليه بعض الروايات الآتية فيكون إطلاق الغشّ على البيع حينئذٍ لأجل كونه مصداقاً له ، على معنى أنّ البيع في جميع الأنواع المذكورة خيانة.
ثمّ إنّ الغشّ بمعنى بيع المغشوش قد يتكلّم فيه من حيث حكمه التكليفي وهو الحرمة وعدمها ، وقد يتكلّم فيه من حيث حكمه الوضعي على تقدير وهو الفساد وعدمه ، فالبحث يقع في مقامين :
المقام الأوّل : فالمعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يظهر كما في كلام جماعة حرمة الغشّ ، وعن المنتهى (٤) التصريح بذلك ، والنصوص به مع ذلك متظافرة بل قيل متواترة ، ففي صحيح هشام بن سالم على الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٢٧٩ / ٢ ، ب ٨٦ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١٦٠ / ٢.
(٢) الوسائل ١٧ : ٢٨٣ / ١١ ، ب ٨٦ ما يكتسب به ، عقاب الأعمال : ٣٣٤.
(٣) الوسائل ١٧ : ٢٨٣ / ١٢ ، ب ٨٦ ما يكتسب به ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٩ / ٢٦.
(٤) المنتهى ٢ : ١٠١٢.