وهذه الروايات كما ترى في الدلالة على المنع تعمّ الأنواع المتقدّمة بأجمعها خصوصاً إذا اعتبرنا الغشّ بمعنى الخيانة ، كيف وأنزل المراتب بيع الشيء في الظلال وقد نصّت رواية هشام بن الحكم بكونه غشّاً وأنّه لا يحلّ ، وفي جملة منها الدلالة على اعتبار الخفاء وعدم الظهور على المشتري في الغشّ المحرّم ، كدلالة جملة منها على خروجه عن الحكم أو الموضوع بإعلام البائع وبيانه.
المقام الثاني : في حكم الغشّ من حيث فساد المعاملة وعدمه ،لمصير جماعة منهم ثاني (١) الشهيدين وتبعه محقّقو مشايخنا (٢) إلى العدم ولعلّه مذهب الأكثر ، خلافاً للمحكيّ عن المحقّق الأردبيلي (٣) لمصيره إلى الفساد استناداً إلى ورود النهي فيكون المغشوش منهيّاً عن بيعه. ويظهر من المحكيّ عن المحقّق الثاني في جامع المقاصد التردّد ، حيث إنّه بعد ما ذكر الغشّ بما يخفى ومثّل له بمزج اللبن بالماء ذكر في صحّة المعاملة وفسادها وجهين : «من حيث إنّ المحرّم هو الغشّ والمبيع عين مملوكة ينتفع بها ، ومن أنّ المقصود بالبيع هو اللبن والجاري عليه العقد هو المشوب» (٤).
وحاصل وجه الصحّة أنّ النهي تعلّق بالغشّ وهو أمر خارج عن المعاملة ، والمقصود من العقد بيع هذا اللبن المشوب وهو عين مملوكة ينتفع بها فيصحّ ، لأنّه عقد وقع من أهله في محلّه. وحاصل وجه الفساد أنّ مقصود المتعاقدين في البيع هو اللبن والعقد وقع على المشوب ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد فيفسد ، لأنّ العقود يتبع القصود. ولذا يظهر من ذيل عبارته بناء الوجهين على الإشكال في مسألة تعارض الإشارة والاسم وأنّه يبني فيها على تغليب الإشارة أو على تغليب الاسم ، كما لو باع هذا الفرس فبان حماراً ، ومعنى تغليب الإشارة في مورد هذا المثال استظهار أنّ المقصود بالذات هو البيع للحمار ، واسم الفرس وقع عليه خطأ ، وعليه مبنيّ احتمال الصحّة لوقوع العقد على ما قصد ، ومعنى تغليب الاسم استظهار أنّ المقصود بالذات هو البيع للفرس والإشارة وإجراء العقد على المشار إليه وقع خطأ ، وعليه مبنيّ احتمال
__________________
(١) المسالك ٣ : ١٢٩.
(٢) الجواهر ٢٢ : ١١٢.
(٣) مجمع الفائدة ٨ : ٨٣.
(٤) جامع المقاصد ٤ : ٢٥.