خرج عن موضع مسألة الغشّ وكان بيعه فاسداً ، فلو قال : بعتك هذا اللبن مشيراً إلى المشوب ، فقد باع ما هو من مصاديق العنوان المقصود بالبيع ، فقد صادف الاسم والإشارة محلّهما ، والعقد جرى على ما هو من مصاديق المقصود فيكون صحيحاً ، غاية الأمر كون المبيع معيوباً فيثبت للمشتري خيار العيب ، وكذا الحكم من حيث ثبوت الخيار في سائر أنواع الغشّ بالبيع.
ويلحق بباب الغشّ أمران :
أحدهما : النجش بفتح النون وسكون الجيم ، وهو عبارة عن أن يزيد الرجل في قيمة سلعة رجل وهو لا يريد شراءها ليرغب فيه غيره فيزيد لزيادته ، وهو سواء كان مع المواطاة مع البائع أو لا معها حرام شرعاً بلا خلاف ظاهراً ، بل عن جامع المقاصد (١) نقل الإجماع عليه ، وفي النبويّ «لعن الناجش والمنجوش له» (٢) وفي آخر «لا تناجشوا» (٣) وربّما اجبرا بالإجماع المنقول ، بل قيل : قبيح عقلاً لأنّه غشّ وتلبيس وإضرار ، وعلى تقدير كونه من الغشّ المنهيّ عنه يكفي في إثبات تحريمه كلّ ما دلّ على تحريم الغشّ من المطلقات.
وقد يفسّر النجش كما في القاموس (٤) والمجمع «بأن يمدح السلعة في البيع ليروّجها ويقع غيره فيها» (٥) مع المواطاة للصاحب أو لا معها (٦) قيل : وحرمته بهذا التفسير خصوصاً لا مع المواطاة يحتاج إلى دليل ، وحكي (٧) الكراهة عن بعض.
أقول : كأنّه نزّله على كون المدح بما يستحقّها السلعة لاتّصافها بالصفة الممدوحة ، وإلّا فلا ينبغي التأمّل في القبح والحرمة لكونه كذباً وإغراء وتغريراً وإضراراً ، بل ربّما يندرج في غشّ البائع إذا كان مع المواطاة كما لا يخفى.
وأمّا الكراهة في صورة الاستحقاق فهي أيضاً محتاجة إلى الدليل ، وعلى القول
__________________
(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٩.
(٢) الوسائل ١٧ : ٤٥٨ / ٢ ، ب ٤٩ آداب التجارة ، الكافي ٥ : ٥٥٩ / ١٣.
(٣) الوسائل ١٧ : ٤٥٩ / ٤ ، ب ٤٩ آداب التجارة ، معانى الأخبار : ٢٨٤.
(٤) القاموس المحيط ٢ : ٢٨٩.
(٥) مجمع البحرين ٤ : ١٥٤.
(٦) المكاسب للشيخ الأنصاري ٢ : ٦٢.
(٧) مفتاح الكرامة ٤ : ١٠٦.