عرفت عن الفاضلين في المختلف والشرائع القول بجواز أخذ الاجرة على القضاء إذا لم يتعيّن ، وإن كان قيّده في الشرائع مع عدم التعيين بصورة احتياج القاضي.
وربّما نقل في المسألة قول آخر بالتفصيل بين الواجبات النظاميّة فيجوز أخذ الاجرة عليها وغيرها فلا يجوز ، والمراد بالاولى ما يتوقّف عليه نظام العالم وانتظام عيش بني آدم كالطبابة والحياكة والنجارة والصياغة وغيرها من الصناعات الواجبة كفاية. ولعلّه إلى ذلك يرجع ما عن الشيخ في شرحه (١) للقواعد من التفصيل بين الواجبات المشروطة بالتعويض وغيرها ، فجوّزه في الأوّل ومنعه في الثاني لأجل الملك والحقّ ، نظراً إلى أنّ المملوك لا يملك ثانياً ، والمستحقّ لا يستحقّ ثانياً.
ثمّ إنّ القول بالمنع مطلقاً لا ينتقض بعمل الوصيّ الواجب عليه بعينه مع جواز أخذ الاجرة عليه من مال الصغير ولو بعد إيقاعه على حسب ما هو رأيه اجتهاداً أو تقليداً في قدرها من اجرة مثل العمل أو قدر الكفاية أو أقلّ الأمرين من اجرة المثل والكفاية على الخلاف في المسألة ، وكذلك الوصيّ على ثلث الميّت عند من ألحقه بالوصيّ على الصغير ، لأنّ ذلك ليس من باب المعاوضة المبنيّة على عقد الإجارة بل هو حكم شرعي ، أو أنّه استحقاق شرعي جعله الشارع للوصيّ إرفاقاً فلا ينافي وجوب العمل ، كما أنّه كذلك لو عيّن له الموصي شيئاً فإنّه يستحقّه من باب الوصيّة لا من باب المعاوضة.
ثمّ استدلّ على القول بالمنع مطلقاً أو في الجملة بوجوه :
منها : الإجماع المنقول في كلام جماعة اعتمد عليه السيّد في الرياض (٢).
وقد عرفت ما فيه ، والحقّ أنّ المنع في الجملة إجماعيّ ، والإجماع على إطلاقه غير ثابت بل المعلوم خلافه.
ومنها : منافاة أخذ الاجرة للإخلاص المعتبر في العمل.
وردّ بانتقاض عكسه بالواجبات التوصّليّة وطرده بالمندوبات القابلة للُاجرة.
ومنها : أنّ المنافاة بين أخذ الاجرة وصفة الوجوب ذاتيّة لأنّ المملوك لا يملك ثانياً والمستحقّ لا يستحقّ ثانياً.
__________________
(١) شرح القواعد ١ : ٢٧.
(٢) الرياض ٨ : ١٨٠.