دينه ودنياه ، وهو متوقّف على التكسّب ، وهو متوقّف على الصناعات علماً وعملاً ، فوجوب الصناعات حينئذٍ إنّما هو من حيث وجوب التكسّب المتوقّف عليها ، ضرورة أنّه لا يتأتّى إلّا باتّخاذ كلّ صانع صنعته وسيلة لكسب المال بإجراء عقود المعاوضة من عقد بيع أو صلح أو إجارة أو جعالة أو غيرها عليها ، واللازم منه جواز أخذ الاجرة عليها بل وجوبه ولو في الجملة ، ومع هذا كيف يتصوّر كونه محرّماً؟.
وبالجملة الواجب من كلّ صنعة اتّخاذها وسيلة لكسب المال ، ولا يكون ذلك إلّا بأخذ الاجرة على عملها ، فمعنى وجوب الصناعات كفاية هو هذا ، بل الغالب في كلّ صانع وجوب صنعة عليه على التعيين ، نعم القدر الواجب منه ما يكتفي به في جهات الخرج ويرتفع به الحاجة بجميع جهاتها ، وأمّا الزائد عليه فإن كان للتوسعة على الأهل والعيالات أو للمواظبة على القربات والخيرات ـ من الضيافات والزيارات والصدقات الجاريات وبناء بقاع الخير وإنفاق الفقراء وصلة الأرحام وما أشبه ذلك ـ كان مستحبّاً ، وإن كان لمجرّد إكثار المال وجمعه كان مباحاً.
فملخّص ما حقّقناه أنّ أخذ الاجرة على الصناعات ليس من أخذ الاجرة على الواجبات في شيء من مراتبه الثلاث ، لأنّ معنى وجوبها هو وجوب التكسّب به وأخذ الاجرة عليها لا غير ، فليتدبّر فيه فإنّه دقيق وحقيق بالإذعان والقبول.
وينبغي ختم المقام بإيراد مسائل متعلّقة بالباب :
الاولى : مقدّمات الواجب كنفس الواجب في حرمة أخذ الاجرة عليها ، كالحضور عند الجنازة للصلاة على الميّت أو تغسيله ، واغتراف الماء أو صبّه في التغسيل وإزالة ولي الميّت في قضاء فوائته للنجاسة عن لباسه أو بدنه وطلبه الماء للطهارة الحدثيّة والخبثيّة وما أشبه ذلك ، لتعيّن فعلها على المكلّف بفعل الواجب فهو مقهور عليه وليس له أن يمتنع عنه ، وقضيّة ذلك تعيّن فعلها مجّاناً ، فأخذ الاجرة عليها أكل للمال بالباطل. ولا يتفاوت الحال في ذلك بين القول بوجوب المقدّمة والقول بعدم وجوبها ، لمكان تعيّن الفعل من جهة اللابدّيّة الّتي هو معنى الوجوب العقلي ، بل الوجوب العقلي جهة جامعة بين القولين فليس له الامتناع ، ولك أن تقول : إنّه على القولين مقهور على فعل