مجموع يتصدّاه القاضي عند الترافع إليه ، من سماع دعوى المدّعي وإحضار المدّعى عليه وطلب الجواب منه ، وطلب البيّنة من المدّعي على تقدير إنكار المدّعى عليه ، ثمّ طلب تزكية الشهود أو جرحهم ، وإحلاف المنكر على تقدير عدم بيّنة للمدّعي إلى غير ذلك ممّا يستعمله القاضي في مجلس الترافع إلى أن يبلغ حدّ الحكم الإنشائي فهو حقّ للمترافعين ، والقاضي مقهور عليه فلا يقابل بعوض منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما. وإن اريد به خصوص الحكم الإنشائي فهو حقّ للمحكوم له فلا يقابل بعوض منه أو من غيره ، لكونه من أكل المال بالباطل.
ويدلّ عليه أيضاً ـ بعد الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة ـ صحيح عمّار بن مروان المرويّ عن الخصال قال : «كلّ شيء غلّ من الإمام فهو سحت ، والسحت أنواع كثيرة ، منها : ما اصيب من أعمال الولاة الظلمة ، ومنها : اجور القضاة واجور الفواحش ، وثمن الخمر والنبيذ المسكر ، والربى بعد البيّنة» (١) الخ.
مضافاً إلى صحيح ابن سنان المرويّ عن المحمّدين الثلاث قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء من السلطان الرزق؟ فقال : ذلك السحت» (٢). بناءً على كون المراد من الرزق المأخوذ من السلطان ما يأخذه القاضي على وجه الاجرة لا ما يرتزقه من بيت المال فإنّه حلال بلا إشكال ، لكون بيت المال معدّاً لمصالح المسلمين والقاضي وقضاؤه من أهمّ مصالحهم. إلّا أنّه نوقش في هذه الصحيحة من وجوه أسدّها أنّ هذا القاضي بقرينة السلطان منصوب من قبل الجائر ، ولا ريب أنّه مثل هذا الشخص غير قابل للقضاوة فيحرم عليه ما يأخذه ولو بعنوان الارتزاق من بيت المال.
وقد يستدلّ أيضاً ببعض أخبار الرشوة ، بناءً على أنّها في بعض الأخبار اطلقت على مطلق العوض.
وحيث انجرّ الكلام إلى ذكر الرشوة فينبغي صرف عنان البحث إليها حكماً وموضوعاً ، ببيان أنّ رشوة القاضي مع الاجرة على القضاء هل هما متّحدان أو
__________________
(١) المسالك ٣ : ١٦٣.
(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٢ / ١ ، ب ٨ آداب القاضي ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ / ٥٢٧.