الآخر فهو الرشوة ، وعلى هذا فيحصل الفرق بينهما بالتباين الكلّي وكلاهما محرّمان إلّا أنّ الأوّل لكونه أخذاً للُاجرة على الواجب ، والثاني لكونه أخذاً للُاجرة على المحرّم. ويؤيّده أو يساعد ما في المجمع كما عن النهاية من أنّ الرشوة قلّما تستعمل إلّا فيما يتوصّل به إلى إبطال حقّ أو تمشية باطل.
وإن اريد به التوجّه إلى أمر المترافعين من أوّل أعمال القاضي إلى أن ينتهي إلى الحكم الإنشائي أعني مجموع هذه الأعمال فهو أيضاً واجب وأخذ الاجرة عليه أيضاً حرام ، فأخذ الاجرة على القضاء حينئذٍ يصدق على أخذها على المجموع وعلى أخذها على خصوص الحكم الإنشائي ، وفسّر الحكم بما يعطيه أحد المتحاكمين الحاكم ليحكم له حقّاً كان أو باطلاً كان الفرق بينهما بالتباين الجزئي ، لافتراق الأوّل فيما يؤخذ على القضاء بمعنى التوجّه إلى أمر المترافعين من دون نظر إلى خصوص الحكم فإنّه لا يسمّى رشوة. وافتراق الثاني فيما إعطاء المبطل منهما لأن يحكم له بالباطل ، فإنّه رشوة لا تسمّى اجرة على القضاء الواجب ، واجتماعهما فيما يعطيه المحقّ لأن يحكم له فإنّه رشوة من هذه الحيثيّة ، واجرة على القضاء من حيث وجوب ذلك الحكم.
وأرجح الوجهين ثانيهما وفاقاً للشيخ الشارح للقواعد على ما حكي من قوله : «إنّها ليست مطلق الجعل كما في القاموس (١) بل بينها وبين الأجر والجعل عموم من وجه ، ولا البذل على خصوص الباطل كما في النهاية (٢) والمجمع (٣) ولا مطلق البذل ولو على خصوص الحقّ ، بل هو البذل على الباطل أو على الحكم له حقّاً أو باطلاً مع التسمية وبدونها» (٤) وستعرف معنى تتمّة كلامه.
بل ظاهر المحكيّ عن مفتاح الكرامة كون العموم في جانب الرشوة محلّ وفاق بين الأصحاب لقوله : «إنّها عند الأصحاب ما يعطي للحكم حقّاً وباطلاً» (٥) ويعطيه ظاهر كلام جامع المقاصد قائلاً : «بأنّ الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة» (٦) كما حكي. وفي معناه عبارة المسالك من «أنّها أخذ الحاكم مالاً لأجل الحكم» (٧) وهو
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٣٣٤.
(٢) النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٢٦.
(٣) مجمع البحرين ١ : ١٨٤.
(٤) شرح القواعد ٢ : ٢٨٩. (٥) مفتاح الكرامة ١٢ : ٣٢١.
(٦) جامع المقاصد ٤ : ٣٧.
(٧) المسالك ١٣ : ٣٤٧.