وبما بيّنّاه سقط ما ذكره صاحب الكفاية أخيراً إلزاماً للقائل بالحرمة بقوله : «وإذا كان ذلك حراماً فإمّا أن يكون الواجب ضبطه وحفظه ...» إلى آخر ما ذكره ، فإنّا نقول بأنّ ذلك حرام وضبطه وحفظه أيضاً من حيث إنّه من جملة تصرّفاته باعتبار كونه غاصباً في سلطنته أيضاً حرام ، ولا نقول بأنّه يجب عليه ردّه إلى من أخذه منه ، بل نقول بأنّه يجب عليه ردّه إلى المغصوب منه حقّه وهو الإمام العادل أو نائبه الخاصّ أو العامّ.
ولا ينافي جواز الأخذ والقبول حرمة الإيجاب والإعطاء بعد ما فرض كون الأوّل تصرّفاً مأذوناً فيه من الشارع ومن له ولاية هذه التصرّفات ، والثاني تصرّفاً غير مأذون فيه بل منهيّاً عنه بالخصوص. ولا ينافيه ما قيل : من أنّ النصوص والفتاوي دلّت على كفاية إذن الجائر في حلّ الخراج وكون تصرّفه بالإعطاء والمعاوضة والإسقاط وغير ذلك نافذاً ، إذ المراد من النفوذ هو النفوذ الوضعي على معنى ترتّب الآثار الشرعيّة بالقياس إلى المتقبّل المنتقل إليه ، فلا ينافي الحرمة من جهة الغصبيّة وعدم الاستحقاق بالنسبة إلى الجائر ، كما أنّ الحرمة المذكورة لا تنافي الصحّة والنفوذ في البيع وسائر المعاوضات ، لعدم كون الحرمة باعتبار كون بيع هذا المال من حيث البيعة معصية ومبغوضة للشارع ، بل باعتبار كون أصل تصرّف الجائر بجميع وجوهه الّذي هو خارج عن ماهيّة البيع مبغوضاً له ، نظير بيع الغاصب مع لحوق إجازة المالك ، فالنهي متعلّق بالمعاملة لأمر خارج لا لنفسها ولا لجزئها ولا لشرطها ولا لوصفها اللازم ، ونحو هذا النهي لا يقتضي الفساد ، مع أنّ في النصوص ما هو كالصريح في حرمة تصرّفاته حتّى أخذه ولو بضميمة عدم القول بالفصل.
ففي صحيحة العيص في الزكاة فقال : «ما أخذ منكم بنو اميّة فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم» (١) وصحيحة الشحّام «أنّ هؤلاء المصدّقين يأتوننا فيأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها يجزئ عنّا؟ فقال : لا ، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم وإنّما الصدقة لأهلها» (٢) قال في المستند : «أنّ ما ذكر وإن كان في الزكاة إلّا أنّه
__________________
(١) الوسائل ٩ : ٢٥٢ / ٣ ، ب ٢٠ أبواب المستحقّين للزكاة ، التهذيب ٤ : ٣٩ / ٩٩.
(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٣ / ٦ ، ب ٢٠ أبواب المستحقّين للزكاة ، التهذيب ٤ : ٤٠ / ١٠١.