وأمّا دفع ما ذكرناه تارةً بدعوى القطع بعدم كونها ممّا يسمّى عقداً واخرى بأنّ العقد كالبيع من الموضوعات العرفيّة فلا بدّ في معرفتها من مراجعة العرف وقد فهم فقهاؤها باعتبار العرف أنّ المعاطاة ليست عقداً ، واضح الدفع بأنّا نقطع بتسميتها عقداً بالوجه الّذي يسمّى سائر العقود من جهته عقداً كما عرفت ، وأنّ فهم الفقهاء إن اريد به فهم كلّهم فغير مسلّم ، وإن اريد به فهم بعضهم أو أكثرهم فغير قادح بعد ما ساعد اللفظ باعتبار الوضع أو العلاقة المصحّحة للاستعمال على تحقّق المعنى المتحقّق في العقود اللفظيّة ، وهو الربط المعنوي في المعاطاة أيضاً.
الجهة الثانية : في مدخليّة الصيغة المخصوصة في الصحّة وعدمها ، ويرجع الكلام في ذلك إلى أنّ المعاطاة المقصود بها التمليك والتملّك ـ بعد ما بنينا على كونها بيعاً ـ هل تقع صحيحة على معنى كونها بحيث يترتّب عليها أثر حصول الملك وانتقال كلّ من العوضين إلى مالك الآخر بناءً على عدم كون الصيغة المخصوصة معتبرة في صحّة البيع ، أو أنّها فاسدة بناءً على اعتبار الصيغة المخصوصة في الصحّة؟ قولان ، ثانيهما للعلّامة في النهاية (١) كما تقدّم.
وأوّلهما للمحقّق الثاني (٢) ومن تبعه من المتأخّرين (٣) ولعلّه أكثر المتأخّرين إن لم نقل كلّهم ، فالمشهور بين المتأخّرين هو هذا القول.
وقد يتوهّم أنّ الشهرة القدمائيّة في جانب القول بالفساد نظراً إلى ما تقدّم عن الشيخ وأتباعه من إنكار إفادتها الملك ، بل عليه كلّ من قال بأنّها تفيد إباحة التصرّفات.
ويدفعه أوّلاً : أنّ هذا الإنكار بناءً منهم على إنكار كونها بيعاً ، وأمّا على تقدير كونها بيعاً كما أنّ كلامنا على هذا التقدير فلم يظهر منهم إنكار إفادتها الملك.
وثانياً : أنّه لم يعلم موافقة الشيخ على هذا القول من أكثر القدماء كابن بابويه والقديمين والمرتضى وابني حمزة وسعيد وأضرابهما ممّن لم يتعرّض للصيغة المخصوصة في شرائط الصحّة كما تقدّم.
__________________
(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩.
(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.
(٣) كما في مجمع الفائدة ٨ : ١٣٩ ، المفاتيح ٣ : ٤٨ ، الحدائق ١٨ : ٣٥٠ ، الكفاية : ٨٨.