بفعل الموجب ، ونحوها قبول المصالحة المتضمّنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض» (١) يعني أنّ طريق الاستدلال المذكور يجري في الكلّ فيكون الإيجاب في كلّ واحد إنشاءً للفعل والقبول إنشاءً للانفعال حتّى المصالحة الغير المشتملة على العوض الّتي هي بالنسبة إلى ما في الذمّة في معنى الإبراء والإسقاط ، وبالنسبة إلى العين الخارجيّة في معنى الهبة الغير المعوّضة ، فإنّ إيجاب المصالح فيه إنشاء للفعل وهو الإسقاط وقبول المتصالح فيه إنشاء للانفعال وهو قبول الأثر قبالاً للفعل بمعنى التأثير ، ولذلك يكون في كلّ واحد من الامور المذكورة رضاً بالإيجاب على وجه المطاوعة الّذي هو أيضاً عبارة عن قبول الأثر.
وأمّا المصالحة المشتملة على العوض فاستدلّ لعدم تقديم القبول «بأنّه لمّا كان ابتداء الالتزام بها جائزاً من الطرفين وكان نسبتها إليهما على وجه سواء وليس الالتزام الحاصل من أحدهما أمراً مغايراً للالتزام الحاصل من الآخر كان البادئ منهما موجباً لصدق الموجب عليه لغة وعرفاً» (٢) انتهى. ومحصّله : أنّ كلّ من تقدّم من المتصالحين بالإنشاء كان هو الموجب وكان المتأخّر منهما قابلاً ، فلا يعقل لقبوله تقديم مع بقائه على وصف القبوليّة.
ولا يخفى ما في هذا التفصيل من التمحّل والتحكّم وما في دليله من التكلّف والتجشّم ، فإنّ القبول في جميع العقود اللازمة والجائزة عبارة عن الرضا بالإيجاب ، غاية الأمر أنّه قد لا يتضمّن التزاماً بشيء من القابل للموجب كما في الرهن والهبة بغير عوض والمصالحة الغير المشتملة على العوض والوكالة والعارية ، وقد يتضمّن التزاماً منه بشيء للموجب كنقل مال إليه على وجه العوضيّة كما في البيع ، أو عوضاً على وجه الشرطيّة كما في المصالحة المشتملة على العوض ، والهبة المعوّضة والنكاح بالنسبة إلى المهر. وإرجاعه في بعضها كالرهن والقرض والهبة والصلح بغير عوض إلى الانفعال واعتبار عنوان المطاوعة فيه لأجل ذلك اعتبار صرف لم يدلّ دليل على ثبوت ذلك الاعتبار في الشرع. واصطلاح محض لا يترتّب عليه ثمرة في الفروع ، إذ الانفعال
__________________
(١) المكاسب ٣ : ١٥٤ ـ ١٥٥.
(٢) المكاسب ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦.