العرف. ومن ثمّ قد يقال : بأنّه يجوز الفصل بين الإيجاب والقبول بما لا يجوز بين كلمات كلّ واحد منهما ، ويجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف كما في الأذان والقراءة.
المسألة الثالثة : في المطابقة بين الإيجاب والقبول الّتي عدّها من شروط صحّة العقد جماعة (١) تبعاً للشيخ في المبسوط (٢) وليس المراد بها المطابقة بينهما في اللفظ بحسب المادّة بأن يكون قبول بعت ابتعت ، وقبول شريت اشتريت ، لعدم اعتبار المطابقة بهذا المعنى قولاً واحداً ، فيجوز اشتريت في قبول بعت ، وابتعت في قبول شريت ، وفي النكاح قبلت النكاح في قبول زوّجت ، وقبلت التزويج في قبول أنكحت. بل المراد به ورود القبول على ما ورد عليه الإيجاب على الوجه الّذي ورد.
وبعبارة اخرى أن يعتبر في مورد القبول ثمناً ومثمناً ومشترياً كلّما اعتبره الموجب في مورد إيجابه ذاتاً ووصفاً وشرطاً وكمّاً وزماناً ومكاناً وغير ذلك من القيود والخصوصيّات. فلو قال البائع «بعتك داري بمائة» لم يصحّ الجواب بأنّه «اشتريتها لموكّلي» ولو قال «بعت موكّلك» لم يصحّ الجواب بأنّه «اشتريتها لنفسي» ولو قال «بعتك العبد» لم يصحّ الجواب بـ «اشتريت الجارية» ولو قال «بعت الجارية الحبشيّة» لم يصحّ الجواب بـ «اشتريت الروميّة» ولو قال «بعتك الفرس بمائة» لم يصحّ الجواب بـ «اشتريت الفرس والحمار بمائة» ولو قال «بعتك الفرس بمائة دينار» لم يصحّ الجواب بـ «اشتريته بألف درهم» ولو قال «بعته بعشرة دراهم» لم يصحّ الجواب بـ «اشتريته بدينار» ولو قال «بعته بمائة» لم يصحّ الجواب «بخمسين».
والأصل في هذا الشرط أنّ القبول عبارة عن الرضا بما أوجبه الموجب ، ولا يتحقّق إلّا مع المطابقة ، إذ مع عدمها كان رضا بغير ما أوجبه.
وقد يقرّر الدليل بأنّ قضيّة آية التجارة عن تراضٍ كون التراضي شرطاً في الصحّة ، وهو تفاعل يعتبر في صدقه حصول الرضا من الجانبين ، فإذا ورد القبول على غير ما ورد عليه الإيجاب فقد رضي القابل بغير ما رضي به الموجب ، فلم يتحقّق التراضي
__________________
(١) كما في الشرائع ٢ : ٢٧٣ ، جامع المقاصد ١٢ : ٦٨ ، كشف اللثام ٧ : ٤٤ ، نهاية الإحكام ٢ : ٤٥٠.
(٢) المبسوط ٢ : ١٢٨.