الضامن بالمثل منفيّ بالتعذّر فوجبت القيمة جمعاً بين الحقّين ، ولقوله تعالى : «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (١) فإنّ الضامن إذا الزم بالقيمة مع تعذّر المثل لم يعتد عليه أزيد ممّا اعتدى.
أقول : إن كان إجماعاً فلا كلام ، وإلّا ففيه نظر ، لضعف الوجهين :
أمّا القاعدة فلأنّ منع المالك عن مطالبته للصبر والانتظار إلى وجود المثل الّذي حقّه فيه لو كان ظلماً ، فإلزام الضامن بدفع القيمة مع كون ما في ذمّته المثل لا القيمة أولى بكونه ظلماً ، بل الإنصاف أنّ الثاني ظلم دون الأوّل ، بل هو كإنظار المديون المعسر إلى اليسار ، نعم منع المالك عن حقّه مطلقاً حتّى المثل المتعذّر في زمان وجوده ظلم.
وأمّا الآية فلأنّها على تقدير وفائها بالضمان المالي فمفادها الرخصة في الاعتداء بمثل ما اعتدى ، لا المنع من أزيد ممّا اعتدى ، وقد بيّنّا سابقاً أنّ المثل في متفاهم العرف ظاهر فيما يماثل الشيء ويشابهه من جميع الجهات ، فلا يشمل القيمة فالإلزام بها وإن لم يصدق عليه الاعتداء بأزيد ممّا اعتدى إلّا أنّه لم يصدق عليه الاعتداء بمثل ما اعتدى ، فالرخصة المستفادة من الآية لا يشملها.
لا يقال : إنّ المنع عن الاعتداء بأزيد ممّا اعتدى ينساق من تبادر المماثلة في المقدار من المثل ، لأنّ هذا المتبادر من جملة الجهات الّتي يتبادر من المثل المماثلة فيها ، ومن جملتها الجنس والنوع والمثل والصفات الّتي لها مدخليّة في الرغبات.
الرابعة : أن لا يطالب المالك قيمة ماله بل يصبر إلى وجود المثل ، ولكنّ الضامن لا يرضى به بل يريد دفع القيمة ، هل له إلزام المالك بقبولها؟ الظاهر العدم ، لأصالة بقاء حقّ المالك في المثل ، وعدم سقوط حقّه عن المثل مع عدم الدليل على إلزامه بقبولها.
وقد يعلّل أيضاً بأنّ المتيقّن أنّ دفع القيمة علاج لمطالبة المالك ، وجمع بين حقّه بتسليطه على المطالبة وحقّ الضامن بعدم تكليفه بالمعذور أو المعسور ، أمّا مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل.
وهذا مبنيّ على تماميّة القاعدة المذكورة في الصورة السابقة ، وقد سمعت المناقشة
__________________
(١) البقرة : ١٤٩.