مئونة كالأثمان فله مطالبته به سواء كان الصرف في البلدين مختلفاً أو متّفقاً لأنّه لا مئونة في نقله في العادة ، والذهب لا يقوّم بغيره والفضّة لا تقوّم بغيرها إذا كانا مضروبين. وإن كان لنقله مئونة لم يخل من أحد أمرين : إمّا أن يكون له مثل ، أو لا مثل له ، فإن كان له مثل كالحبوب والأدهان نظرت ، فإن كانت القيمتان في البلدين سواء كان له مطالبته بالمثل لأنّه لا ضرر عليه في ذلك ، وإن كانت القيمتان مختلفتين فالحكم فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء ، فللمغصوب منه إمّا أن يأخذ من الغاصب بمكّة قيمته بمصر ، وإمّا أن يدع حتّى يستوفي منه ذلك بمصر لأنّ في النقل مئونة والقيمة مختلفة فليس له أن يطالبه بالفضل ، فإن صبر فلا كلام ، وان أخذ القيمة ملكها المغصوب منه ، ولم يملك الغاصب ما غصب ، لأنّ أخذ القيمة لأجل الحيلولة لا بدلاً عن المغصوب كما لو غصب عبد فأبق فأخذنا منه قيمته فإنّ القيمة تملك منه ، ولم يملك الغاصب العبد ، فإن عاد إلى مصر والشيء قائم بحاله انتقض ملكه عن القيمة الّتي أخذها وعاد إلى عين ماله كما قلناه في العبد الآبق» (١) انتهى.
ومراده من النقل الّذي قسّمه إلى ما لا مئونة له وما له مئونة ، هو نقل الشيء المغصوب من بلد الغصب إلى بلد المطالبة ، فإن لم يكن له مئونة وجب على الغاصب المطلوب منه المال المغصوب بعينه نقله من بلد الغصب إلى بلد المطالبة ، إذ المفروض أنّه لا ضرر عليه في نقله من جهة عدم مئونة فيه ، فلا يتوهّم الانتقال إلى المثل لعدم تلف العين ولا ضرر في نقلها ولا إلى القيمة ، لأنّ قيمة المسكوك من الذهب والفضّة لا يكون إلّا مثله وقد لغى اعتباره حينئذٍ ، فليتدبّر.
الخامس : هل يعدّ خروج المثل في المثلي عن الماليّة بسقوطه عن القيمة من إعوازه وتعذّره الموجب لانتقال الضمان منه إلى القيمة ، كالماء على شاطئ البحر إذا غصبه وأتلفه في مفازة له فيها قيمة ، والجمد في الشتاء إذا غصبه وأتلفه في الصيف أم لا؟ الأقوى الأوّل ، بل هو المتعيّن كما جزم به بعض مشايخنا ، وقال : «بل حكي (٢) عن بعض نسبته إلى الأصحاب وغيرهم» قال : «والمصرّح به في محكيّ التذكرة (٣)
__________________
(١) المبسوط ٣ : ٧٦.
(٢) حكاه في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٢ عن جامع المقاصد ٦ : ٢٥٨.
(٣) التذكرة ٢ : ٣٨٤.