التعذّر الموجب للضمان بالقيمة أو المثل حصول اليأس من الوصول إليها ، أو يكفي عدم رجاء وجدانها وإن احتمل الوجدان ، أو يكفي مطلق التعذّر ولو مع العلم بوجدانها في مدّة يتضرّر المالك من انتظارها والصبر إليها طويلة كانت المدّة أو قصيرة؟ وجوه ، وقيل : ظاهر أدلّة ما ذكر من الامور الموجبة للضمان هو أحد الأوّلين ، ولكن ظاهر إطلاق الفتاوى هو الأخير ، كما يظهر من إطلاقهم «بأنّ اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل ضمانه إلى القيمة حتّى تبلغ الساحل» (١).
ويؤيّده أنّ فيه جمعاً بين الحقّين حقّ الضامن نظراً إلى فرض رجوع الصحّة إلى ملك الضامن عند التمكّن من العين ، وحقّ المالك نظراً إلى أنّ تسلّط الناس على أموالهم الّذي فرض كونه في عهدة الضامن يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذّر نفسه ، نظير ما تقدّم في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثلي. نعم يعتبر في زمان التعذّر كونه مدّة معتدّاً بها يتضرّر المالك بالصبر إلى زوال العذر في نظر العرف ، فلا عبرة بالزمان القليل الّذي لا يوجب الصبر فيه ضرراً في نظر العرف. ثمّ إنّ معنى كون تعذّر الوصول إلى العين في حكم تلفها كونه مثله في أصل الضمان بالقيمة لا في جميع الأحكام ، ويتفرّع عليه أمران :
أحدهما : أنّ ثبوت القيمة مع التعذّر ليس كثبوته مع التلف في كون دفعها حقّاً للضامن ، بحيث إذا دفعها وجب على المالك قبولها وليس له الامتناع من قبولها ، بل هو حقّ للمالك فله الامتناع والصبر إلى زوال العذر ، عملاً بقاعدة تسلّط الناس على أموالهم ، وحكي عن الشيخ في المبسوط (٢) التصريح به.
وثانيهما : أنّ المال المبذول مع التلف يملكه مالك العين ، وفي التعذّر يحتمل عدم الملك بل غايته الإباحة المطلقة على معنى جواز جميع التصرّفات له من غير أن يدخل في ملكه إلّا أن يتلف العين كما في المعاطاة على القول بالإباحة ما دامت العين باقية وعن الفاضل القمّي (٣) في مسائل شتاته الجزم بهذا الاحتمال ، خلافاً لمن ذهب إلى
__________________
(١) صرّح بذلك العلّامة في القواعد ١ : ٢٠٧ ، والتذكرة ٢ : ٣٩٦.
(٢) المبسوط ٣ : ٨٧.
(٣) جامع الشتات ١ : ١٠٦.