المبحث الثاني
في العقل وهو ثاني شروط المتعاقدين المعتبرة في صحّة العقد ، وفرّع عليه عدم صحّة عقد المجنون والمغمى عليه والسكران ، وربّما يستشكل في التفريغ نظراً إلى أنّ العقل يطلق على معنيين :
أحدهما : ما يتميّز به الإنسان عن سائر أنواع الحيوان ، وهو القوّة العاقلة الإنسانيّة وهي الملكة النفسانيّة الّتي يصدر منها الآثار على وجه الاعتدال ، وهو أن يشبه الأفعال والتروك الصادرة من صاحبها بأفعال العقلاء وتروكهم.
ثانيهما : الحالة النفسانيّة المترتّبة على المعنى الأوّل وهو التعقّل المفسّر بالإدراك الفعلي للمنافع والمضارّ والتمييز بين المصالح والمفاسد ، والفرق بين المعنيين مع اشتراكهما في كونهما من الكيفيّات النفسانيّة ، أنّ الأوّل من قبيل الملكات والثاني من قبيل الحالات ، فلو اريد به في محلّ الاشتراط المعنى الأوّل لم يصحّ تفريع عدم صحّة عقد المغمى عليه والسكران عليه لأنّهما ليسا بفاقدين للمعنى الأوّل بل المعنى الثاني ، ولو اريد به المعنى الثاني لم يصحّ تفريع عدم صحّة عقد المجنون عليه ، لأنّ ظاهرهم كونه باعتبار انتفاء القوّة العاقلة. ولكنّ الأمر في دفعه سهل ، فإنّ شرط الصحّة هو التعقّل وهو لا ينافي ظهور كلامهم في كون عدم الصحّة في المجنون لكونه فاقداً للقوّة العاقلة ، نظراً إلى أنّ انتفاء التعقّل قد يكون لفقد المقتضي ، وقد يكون لوجود المانع ، أما الأوّل فكما في المجنون لأنّ القوّة العاقلة بالنسبة إلى التعقّل والإدراك الفعلي من باب المقتضي لا العلّة التامّة ، وأمّا الثاني فكما في المغمى عليه والسكران لأنّ كلاًّ من الإغماء والسكر مانع من التعقّل والإدراك الفعلي.