المبحث الثالث
في الاختيار الّذي جعله الأصحاب ثالث شروط المتعاقدين المعتبرة في الصحّة ، وفرّعوا عدم صحّة عقد المكره.
وليعلم أنّ الاختيار له معنيان :
أحدهما : ما يقابل الجبر ، وهو أن يكون الفاعل مجبوراً في فعله ، ومنه أفعال العباد على مذهب الجبريّة القائلة بكونهم مجبورين في أفعالهم لاستناد صدورها إلى إرادة قديمة وهي إرادة الله سبحانه من دون إرادة منهم أو مع إرادة غير مؤثّرة ، خلافاً للعدليّة القائلين بكونهم مختارين في أفعالهم لصدورها عنهم بإرادة حادثة وهو إرادة العبد من دون مدخليّة للإرادة القديمة فيها. والاختيار بهذا المعنى ملاك التكاليف الشرعيّة ، وعليه مدار اتّصاف الأفعال بالحسن والقبح ، وهو مناط الثواب والعقاب.
ثانيهما : ما يقابل الإكراه ، وهو أن يكون الحامل له على الفعل توعيد الغير وتهديده على تركه بقتل أو جناية أو ضرب أو أخذ مال منه بقهر ونحو ذلك ، فالاختيار أن يكون الحامل له على الفعل شيء من الدواعي العادية الباعثة على صدوره عن رضاه وطيب نفسه. والمراد به في محلّ البحث هو هذا المعنى على ما يقتضيه كلمة الأصحاب نصوصيّة وظهوراً ، ولأنّهم باعتبار هذا الشرط احترزوا عن عقد المكره.
واستدلّ على الشرطيّة بعد الأصل بالإجماع والكتاب والسنّة.
أمّا الإجماع فبقسميه ، بل المنقول منه مستفيض.