حصر الجهة المقتضية للمنع في عدم الرضا ، وثالثاً : جعل المفقود في عقد الفضولي القصد إليه من مالكه ، وهذا كلّه يعطي مرادفة الرضا للقصد إلى مدلول اللفظ عندهم ، ولا يتمّ إلّا إذا كان مدلول اللفظ مراداً به الأثر المعبّر عنه بمضمون العقد.
ومنها : أنّهم حكموا بعدم وجوب التورية في التفصّي عن الإكراه توصّلاً إلى إفساد العقد الصادر منه ، والسرّ فيه أنّه في عقده إن لم يكن كارهاً لوقوع مضمونه في الخارج فهو ليس بمكره وعقده خارج عن موضوع عقد المكره ، وحينئذٍ فإن ورّى كان فساده من جهة التورية لا من جهة عقد مكره ، وإن كان كارهاً فكراهته كافية في فساده من غير حاجة إلى التورية لكون الرضا المرادف للاختيار من شروط الصحّة وهو لا يجامع الكراهة.
فبجميع ما ذكرنا ظهر وجه صحّة التوجيه المتقدّم لكلام الجماعة من كون المكره قاصداً للّفظ غير قاصد لمدلوله ، ويجري نحوه فيما ذكره العلّامة في التحرير من أنّه لو اكره على الطلاق فطلّق ناوياً فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا إكراه على القصد انتهى. وحاصله أنّ هذا الطلاق من جهة تحقّق نيّة الطلاق على معنى قصد وقوع أثره في الخارج ليس من طلاق المكره ، ليفسد من جهة النصوص الدالّة على فساد طلاق المكره. وقوله : «إذ لا إكراه على القصد» (١) يعني أنّ طلاق المكره المحكوم على فساده ما اكره على القصد على معنى كون الإيعاد بالإضرار على ترك الطلاق موجباً لوقوعه عن كره ولا عن طيب نفس ، وهذا ليس كذلك لوقوعه عن قصد وقوع أثره.
ثمّ ينبغي الكلام في موضوع المكره ، وما يعتبر في تحقّق الإكراه وما لا يعتبر ، فنقول : إنّ المكره مفعول من الإكراه وهو إفعال من الكره فبضابطة أنّه يعتبر في صدق المشتقّ تحقّق المبدأ لا بدّ في صدق المكره من تحقّق الإكراه المتوقّف على تحقّق الكره ، فنقول : إنّ ظاهر كلماتهم يعطي اتّفاقهم على اعتبار الإيعاد في تحقّقه ، بأن يكون الحامل له على إجراء العقد إيعاد الغير بالإضرار على تركه ، فمن لا إيعاد من الغير في عقده فليس بمكره ، وإن كان الحامل له على العقد خوف التضرّر بتركه ـ كما لو باع ملكه أو عقاره أو متاعه دفعاً للضرر المترتّب على ترك البيع ـ فإنّه ليس من عقد
__________________
(١) التحرير ٢ : ٥١.