المكره ولا إشكال في صحّته ، لصدوره باختياره ورضاه وعن طيب نفسه وإن كان الباعث عليه خوف الضرر ، بل أكثر البيوع الصادرة من الناس ولا سيّما أهل الأسواق ولا سيّما التجّار إنّما تصدر لخوف الضرر بتركها.
ويعتبر في تحقّقه أيضاً كون الإيعاد على ترك العقد على معنى كون المتوعّد على تركه نفس العقد لا أمراً آخر حاملاً للعاقد على اختيار العقد ، فمن اوعد على ترك دفع مال كالظالم إذا طلب منه مالاً ظلماً وأوعده على عدم دفعه ، وتوقّف دفعه على بيع بعض أمواله أو أملاكه أو عقاراته ، فباعه للتفصّي عن الضرر المتوعّد به على عدم دفع المال ، فبيعه ليس من عقد المكره ولا إشكال في صحّته ، لحصوله باختياره وعدم كرهه في أصل البيع وإن كان مكرهاً في دفع المال ، وهذا أيضاً كثير شائع وقوعه بين الناس.
ثمّ إنّهم اعتبروا في تحقّق موضوع الإكراه شروطاً ثلاث ذكروها في كتاب الطلاق في باب طلاق المكره : وهي أن يكون المكرِه ـ بالكسر ـ قادراً على فعل ما أوعد به من قتل أو جرح أو ضرب أو حبس أو إهانة أو استخفاف أو هتك عرض ، وغلبة ظنّ المكرَه ـ بالفتح ـ على أنّه يفعل ما أوعده به ، وأن يكون ما أوعده به مضرّاً بخاصّة نفسه أو متعلّقه كأبيه وابنه وامّه وأخيه.
والسرّ في اعتبار هذه الامور أنّ الأصل في أفعال الإنسان هو الاختيار ويعبّر عنه بـ «أصالة الاختيار» ومدركها الغلبة ، وأنّ الظاهر من العقد الصادر من البالغين الكاملين هو تحقّق القصود الأربع المتقدّمة الّتي رابعها قصد وقوع الأثر في الخارج والرضا به وطيب النفس فيه وعدم الكره فيه. فلا بدّ في صدق كون العاقد مكرهاً وتحقّق الكراهة فيه عند الإيعاد بالإضرار على تركه العقد من حصول ما يزاحم أصالة الاختيار والظهور اللفظي ، ويوجب الخروج عنهما بظهور عدم الاختيار وتحقّق الكره ـ أعني ما يكشف عن الكره وعدم الاختيار ـ وليس إلّا الإيعاد المقترن بالامور الثلاث ، ضرورة أنّ إيعاد من لا يقدر على فعل ما أوعد به ، أو إيعاد من لا يغلب على الظنّ أنّه يفعل ما أوعد به ، أو الإيعاد بما لا يكون مضرّاً بخاصّة نفس العاقد أو متعلّقه لا يكشف عن الكره وعدم الاختيار ، فيكون الأصل والظهور اللفظي على حالهما ويجب الأخذ بهما ومقتضاهما الصحّة.
وهل يعتبر في موضوع الإكراه عجز المكرَه عن التفصّي عن الضرر المتوعّد به