صدور الآية إنّما هو تحريم المسفوح فقط ، وهذا لا ينافي كون غير المسفوح ممّا بين تحريمه فيما بعد نزول الآية ، ويؤيّده امور :
منها : التعبير عن نفي تحريم ما عدا الثلاثة بعدم وجدان محرّم غيرها وتقييده بما اوحي إليه ، وهذا يشعر بأنّ في علم الله سبحانه محرّمات اخر لم يوح تحريمها إليه صلىاللهعليهوآله بعمد ، ويجوز كون غير المسفوح من جملتها.
ومنها : عدم انحصار محرّمات الأكل في الثلاثة المذكورة في الآية بحكم الضرورة بل هي غير محصورة ، ومن جملتها لحوم السباع والمسوخ والوحوش وأكثر الطيور وغيرها ، ولا محالة قد اوحي إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم تحريمها ، وقضيّة حصر ما اوحي إليه في الثلاثة كون غيرها إنّما اوحي إليه بعد نزول الآية بالتدريج ، ويجوز كون غير المسفوح من جملتها.
ومنها : أنّ هذه الآية مذكورة في سورة الأنعام ، وآية إطلاق التحريم متكرّرة في سور ثلاث البقرة والمائدة والنحل ، وقد قيل كما في المستند (١) في سورة الأنعام وسورتي البقرة والمائدة : إنّ الاولى مكّيّة وهاتان مدنيّتان ، وذكر الطبرسي (٢) في تفسيره أنّ هذه السورة ـ يعني الأنعام ـ مكّيّة والمائدة مدنيّة ، فيجوز أن يكون غير ما في الآية من المحرّمات إنّما حرّم فيما بعد ويجوز أن يكون غير المسفوح منها.
والسيرة القطعيّة المدّعاة إنّما تسلّم في المختلط باللحم الّذي يتعذّر تخليصه منه ، لا في المتميّز المنفصل منه ، ولا في ما يمكن انفصاله من غير عسر.
وقاعدة نفي العسر والحرج أيضاً تسلّم في المختلط لا في غيره.
وعلى هذا فالعمل بإطلاق التحريم متّجه ، لسلامة الآية المتضمّنة له عن المعارض ، وتكرّرها في السور الثلاث يوجب قوّة اخرى في دلالتها ، ومقتضى إطلاق التحريم ثبوته في جميع الأنواع الثلاث من الدم خصوصاً المسفوح منها لنجاسته ، بل قضيّة اندراجه في الإطلاق تحريم جميع أفراده في جميع أحوالها حتّى ما كان منها من الذبيحة من المأكول فضلاً عن غير المأكول ، فيحرم ما في القلب والكبد والطحال وإن طهرت مع إشكال في طهارة ما في الطحال.
__________________
(١) المستند ١٥ : ١٦١.
(٢) مجمع البيان ٣ و ٤ : ٢٩٩ و ٣.