لأنّ قرينة المقام وهو الفرار عن الضرر المتوعّد به لا تزاحم من ظهورات اللفظ إلّا ظهوره في الرضا وطيب النفس بمضمونه ، فهو قبل لحوق الرضا متأهّل للصحّة والنفوذ.
وأمّا الثاني : فلأنّ كون التجارة واقعة عن تراضٍ صادقة مع الرضا المتأخّر ، إذ التجارة تتحقّق من حينه ، مع منع دلالة الآية على عدم صحّة ما لم يكن وقوعه عن تراضٍ ، لأنّها لو دلّت لدلّت باعتبار مفهوم الوصف وهو خلاف التحقيق ، مع أنّه عند معتبريه مقيّد بعدم ورود القيد مورد الغالب ، ولذا لا مفهوم في قوله تعالى : «وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ» (١) ودعوى كونه هنا للاحتراز لا شاهد لها. وتوهّم الدلالة من جهة مفهوم الحصر ، يندفع بأن لا حصر في الآية ، لأنّ الاستثناء منقطع غير مفرّغ لكون المستثنى منه مذكوراً وعدم كون المستثنى من جنسه.
وأمّا الثالث : فلظهور الرواية في رفع المؤاخذة أو رفع الأحكام الموجبة للمؤاخذة ، وحاصل معناه أنّ الأعمال الّتي إذا صدرت في غير مقام الإكراه يؤاخذ بها ، فهي بحيث إذا صدرت عن إكراه لا يؤاخذ بها كالأفعال المحرّمة المكره عليها ، وهو كناية عن كون الإكراه رافعاً لحرمتها ، وهذا المعنى لا يشمل عقد المكره ، إذ ليس الكلام في أنّ عقد المكره محرّم أم لا؟ وأنّه آثم في فعله وأنّه يؤاخذ عليه أم لا؟ بل في أنّه إذا لحقه الرضا هل ينفذ أو لا؟ فلا يكون مشمولاً لحديث رفع المؤاخذة أو الأحكام الموجبة للمؤاخذة.
وينبغي التنبيه على امور :
الأوّل : هل يعتبر في الرضا اللاحق بالعقد لحوقه بسرعة وبلا فصل زماني أو لا ، بل إذا لحقه بعد فصل زماني طال أم لا؟ ظاهر إطلاق الأكثر وهو ظاهر النصوص الثاني.
وربّما قيل بالأوّل ولازمه بطلان العقد بتخلّل الفصل بينه وبين الرضا ، تعليلاً بأنّ الكراهة المتخلّلة بينه وبين الرضا يجري مجرى الردّ في عقد الفضولي ، وكما أنّ الردّ مبطل لعقد الفضولي ولا ينفعه الإجازة بعد الردّ فكذلك الكراهة مبطلة لعقد المكره فلا ينفعه الرضا بعدها.
وفيه : أنّ مبنى نفوذ عقد المكره بعد لحوق الرضا على كون الرضا شرطاً لا على كون الكراهة مانعة وإلّا لبطل من حينه ، ومعنى عدم كونها مانعة أن لا تأثير لها في
__________________
(١) النساء : ٢٣.