العقد باعتبار كونه من شروط الصحّة ، والشرط نفس الرضا لا اللفظ الدالّ عليه ، ولذا لا يعتبر في الرضا المقارن للعقد لفظ آخر سوى لفظ العقد ، فالمكره إذا انقدح في نفسه الرضا نفذ عقده فيما بينه وبين الله سبحانه ووجب عليه أن يرتّب عليه الآثار. نعم لمّا كان رضاه أمراً نفسانيّاً لا يطّلع عليه غيره إلّا بواسطة ما يكشف فيعتبر لاطّلاع غيره عليه حتّى يرتّب غيره أيضاً آثاره عليه وجود كاشف عنه ، ولا ينحصر الكاشف في اللفظ بل كثيراً ما يكون أمراً آخر غير اللفظ ، كالتصرّف في الثمن المقبوض ، ومطالبة الثمن الغير المقبوض ، وتسليم المبيع أو الثمن وما أشبه ذلك. نعم قد ينحصر الكاشف في اللفظ ويسمع دعواه في الرضا ، لأنّه لا يعلم إلّا من قبله.
الخامس : إذا مات العاقد المكره قبل الرضا بما فعله ، فهل يبطل ويخرج عن تأهّله للصحّة لكون الموت كالردّ مبطلاً أو لا؟ ويظهر الثمرة في رضا الوارث إذا لحق عقد المورّث فهل يجدي في نفوذه أو لا؟ ومبنى المسألة على أنّ الرضا المصحّح لعقد المكره هل هو كالخيار لذي الخيار ينتقل بالموت إلى الوارث أو لا؟ والّذي يساعد عليه النظر هو الثاني ، لعدم كون الرضا من قبيل الحقوق حتّى ينتقل بالإرث ، بل هو كإجراء العقد على الملك والمال ، ونقله إلى الغير وسائر التصرّفات فيه من توابع الملك والسلطنة على المال ، ولذا لا يقبل الانتقال إلى الغير بالصلح ولا السقوط بالإسقاط. فتعيّن بطلان العقد بالموت ، لتعذّر لحوق الشرط ، والمشروط عدم عند عدم الشرط.
السادس : هل للطرف الغير المكره أن يفسخ العقد قبل لحوق رضا المكره ، أو لا؟ الظاهر أنّه على القول بالنقل لا ينبغي التأمّل في الفسخ إذ لا مانع منه إلّا اللزوم وهو فرع على الصحّة وهي غير حاصلة بالفرض ، بخلافه على القول بالكشف لأنّ العقد متزلزل بين الصحّة والفساد باعتبار أنّ الشرط على هذا القول هو الأمر الاعتباري المعبّر عنه بتعقّب العقد للرضا ، وهو إمّا حاصل في علم الله فالعقد حينئذٍ صحيح لازم في الواقع ولا يقبل الفسخ ، أو غير حاصل في علم الله فالعقد فاسد ولا فائدة في فسخه ، فلو فسخ والحال هذه لا يمكن الحكم بانفساخه لكونه دائراً بين اللزوم والفساد فلا تأثير للفسخ على التقديرين ، وسيأتي مزيد تحقيق في نظيره في باب الفضولي.