قال : حرام بيعها وثمنها ، وقال : لا بأس ببيع العذرة» (١). فإنّ التناقض في كلام واحد من متكلّم واحد محال خصوصاً إذا كان المتكلّم معصوماً. وهذا ينهض قرينة على أنّه عليهالسلام أراد من الأوّل تحريم بيع عذرة الإنسان ومن الثاني تجويز بيع غيره من الأرواث الطاهرة ، وكأنّه عليهالسلام علم من حال السائل أنّه يبيع كلا النوعين فأجابه بحكم كلّ منهما. وينهض ذلك بعد استظهار هذا المعنى منه شاهداً بالتأويل المذكور في الروايتين.
وعلى أيّ حال كان فالدليل على تحريم بيع العذرات النجسة من غير جهة الرواية المتعارضة واضح لا حاجة معه إلى تجشّم علاج التعارض فيها ، كوضوح الدليل على تحريم أكلها مع كونها من الخبائث وتحريم مطلق وجوه الانتفاع عدا الاستعمال في الزروع والكروم واصول الشجر لما تقدّم في مبحث الدم من نفي الخلاف عن مبسوط الشيخ (٢) مع السيرة القديمة في الجملة ، وعلى عدم كونها متموّلة ولا مملوكة أصلاً.
ثمّ ينبغي إتباع المبحث بالكلام في الأبوال والأرواث الطاهرة كأبوال وأرواث البهائم والأنعام من الإبل والبقر والغنم والفرس والحمار والبغل والجاموس ، وهذه لطهارتها وإن كانت خارجة عن عنوان الأعيان النجسة إلّا أنّ الفقهاء لمّا تكلّموا في أحكامها فنحن نقتفي أثرهم ونتكلّم فيها استتباعاً ، والكلام فيها يقع في مقامين :
المقام الأوّل في الأرواث الطاهرة ، فنقول : المعروف المشهور جواز التكسّب بها مطلقاً. وعن الشيخ في الخلاف (٣) «نفي الخلاف» وعن السيّد «الإجماع عليه» (٤) وإن ناقش فيه بعضهم. ولم يظهر خلاف فيه عدا ما عن مختلف (٥) العلّامة من نسبة الخلاف إلى المفيد والسلّار حيث منعا عن بيع الأبوال والأرواث عدا بول الإبل ، ولكن عبارتهما المنقولة عن المقنعة والمراسم لا تساعد عليه.
فعن الأوّل «بيع العذرة والأبوال كلّها حرام إلّا أبوال الإبل خاصّة ، فإنّه لا بأس ببيعها والانتفاع بها واستعمالها لضرب من الأمراض» (٦).
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ١٧٥ / ٢ ، ب ٤٠ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨١.
(٢) المبسوط ٢ : ١٦٧.
(٣) الخلاف ٣ : ١٨٥.
(٤) الانتصار : ٢٠١.
(٥) المختلف ٥ : ٥.
(٦) المقنعة : ٥٨٧.