وفي كلام بعض مشايخنا «لا بدّ من الرجوع إلى قاعدة كون الغارّ سبباً في تغريم المغرور فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ بشهادته ، أو قاعدة الضرر ، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح (١) على تقديم السبب إذا كان أقوى ، أو الأخبار الخاصّة الواردة في الموارد المتفرّقة (٢) ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه» (٣).
أقول : ينبغي النظر في تتميم هذه الوجوه وعدمه.
أمّا الوجه الأوّل : فالنظر فيه يقتضي التكلّم تارةً في صغرى قاعدة الغرور ، واخرى في كبراها.
أمّا الصغرى فالتكلّم فيها تارةً ببيان معنى الغرور ومفهومه عرفاً ولغة ، واخرى ببيان تحقّق هذا المفهوم في محلّ البحث.
أمّا الأوّل فنقول : إنّ جماعة من أهل اللغة (٤) كالجوهري والفيروزآبادي وابن السكّيت والأصمعي وابن الأثير والأزهري والهروي والطريحي ذكروا لمادّة الغرّ والغرور والغرر والغرّة بالكسر والغرّة بالضمّ معاني متعدّدة ، إلّا أنّ ما يناسب منها مباحث الفروع ويرتبط بمقاصد الفقهاء في المسائل الفرعيّة معنيان :
أحدهما : معنى الغرر وهو الخطر بمعنى الهلاك ، وعليه حمل الحديث النبويّ المتلقّى بالقبول عند الخاصّة والعامّة «نهى النبيّ عن بيع الغرر» (٥) وهو بيع يكون محلاًّ للخطر باعتبار كون أحد العوضين فيه في معرض الهلاك مشرفاً للتلف من جهة عدم الوثوق بالعوض الآخر المقابل له ، لقيام احتمال لا يتسامح فيه عند العقلاء ومن شأنه أن يحترز عنه في العرف والعادة بحيث من لم يلتفت إليه ولا يعتني به وأقدم على عدم الاحتراز عنه كان محلاًّ للتوبيخ ومستحقّاً للّوم عند العقلاء ، من جهة تضييعه ماله وتعريضه للتلف وخروجه عنه بلا عوض ، أو بعوض غير مطابق لغرضه ، إمّا لكون العوض الآخر المقابل في معرض تعذّر الوصول إليه كبيع السمك في الماء وبيع الطير
__________________
(١) الإيضاح ٢ : ١٩٢.
(٢) الوسائل ١٤ : ٥٩٣ / ٤ و ٥ وب ٨٨ نكاح العبيد والإماء.
(٣) المكاسب ٣ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.
(٤) كما في القاموس ١ : ٦٢٧ ، ومجمع البيان ٣ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣ (مادّة غرّ).
(٥) الوسائل ١٧ : ٤٤٨ / ٣ ، ب ٤٠ آداب التجارة.