«الصاغرين». وعلى ما ذكرنا فالذمّة بمعنى التذمّم والعهد والعهدة بمعنى التعهّد والضمان كلّها عبارة عن الالتزام بالحقّ ، وإن كانت الذمّة تطلق أيضاً على العنق أو النفس.
وأمّا الدرك بالفتح فهو في أصل اللغة بمعنى التبعة ، ومنه قوله : «إذا لحقك درك فعليّ إصلاحه» والتبعة لغة لمعنيين ، أحدهما : ما فيه الإثم أو أصل الإثم ، وإطلاقها عليه في الأدعية كثير ، ومنه «لا تجعل لك عندي تبعة إلّا وهبتها». والآخر : المظلمة ، والظاهر أنّ المراد بالمظلمة حقوق الناس ترد على الإنسان باعتبار ظلمه لا مطلق الظلم. وهذا هو المناسب للمقام في إطلاقات العرف وأهل الشرع ، ولك أن تقول : بأنّه في لسان أهل الشرع استعيرت لكلّ غرامة ماليّة ترد على الإنسان ويتوجّه إليه بسبب من الأسباب الاختياريّة أو القهريّة ، ومنه ضمان الدرك في باب البيع ، وعلى هذا فالدرك بحسب المعنى يغاير العهدة فلا يكون عطفه للتفسير. وحينئذٍ فتخصيصه لكون العين المأخوذ على اليد الّذي هو عبارة عن ضمان اليد المستفاد من خبر «على اليد ما أخذت» بكون عهدتها بعد التلف عليه ، غير واضح الوجه ، لأنّ ضمان اليد إنّما يثبت في العين على تقدير البقاء والبدل على تقدير التلف معاً ، لا في البدل فقط على تقدير التلف ، فإنّ العين أيضاً في عهدة آخذها والتزامه حتّى تؤدّيها وتخرج عن عهدتها بردّها إلى المالك. نعم إذا تلفت يكون بدلها مثلاً أو قيمة في عهدتها والتزامها.
ثمّ الظاهر من قوله : «فإذا استوفي أحدها سقط الباقي لخروج الباقي عن كونه بدلاً أن يتعدّد بدل التالف في أوّل تعلّقه بالعهدات والذمم» وهذا أيضاً غير واضح الوجه ، بل التحقيق أنّ التعدّد في الالتزام لا في البدل الملتزم به ، بأنّ الشارع جعل لكلّ مال في الواقع بدلاً واحداً ، ومعنى كونه في العهدات المتعدّدة التزام كلّ من المتعدّدين بردّ ذلك البدل الواقعي الواحد إلى مالكه ، ولوحدته في الواقع جاء البدليّة في ملك المالك له في ذممهم ، فهو يرجع على وجه البدليّة على كلّ منهم أراد ويطالب منه البدل الواحد الواقعي ، فإذا أخذه منه سقط الالتزام والخطاب بالأداء من الباقين لبقائه بلا موضوع ، فالساقط عنهم هو الالتزام والخطاب بأداء بدل التالف لا نفس البدل لارتفاع موضوع الخطاب.
ثمّ اعلم : أنّ ضمان اليد في الأيادي المتعدّدة معناه أنّ كلّ واحد منهم بأخذه مال الغير واستيلائه عليه يضمن الأمر الدائر بين العين والبدل إلّا أنّه يضمن العين منجّزاً