«إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً (١) وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ» (٢) وما أشبه ذلك. وقضيّة قبحه عقلاً ونفيه نقلاً أن لا يحكم تعالى بعدم استحقاق السابق للرجوع على اللاحق بما دفع إلى المالك ، فيثبت به استحقاقه وهو يلازم ضمان اللاحق له بما دفعه. فهذه وجوه ثلاث لإثبات هذا الضمان ، أوجهها الأوّل ، ودونه الثاني ، ودونهما الثالث.
تذنيب : لو كانت العين في يد المشتري على تقدير عدم إجازة المالك تالفة يرجع المالك ببدلها مثلاً لو كانت من المثليّات أو قيمة لو كانت القيميّات ، وهذا هو الأصل الكلّي المجمع عليه في ضمان البدل ولا كلام فيه. وإنّما الكلام في تعيين القيمة في القيمي أهو قيمة يوم التلف ، أو قيمة يوم القبض الّذي هو في باب الفضولي أعمّ من الغصب باعتبار علم المشتري بالفضوليّة أو الغاصبيّة وجهله بهما ، أو أعلى القيم من قيمة يوم القبض إلى يوم التلف؟ ولقد سبق منّا الكلام في تحقيق هذا المقام مشروحاً في باب ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، وذكرنا ثمّة أنّ الأصل في ضمان القيمة هو قيمة يوم التلف لأنّه يوم انتقال الضمان من العين إلى القيمة إلّا فيما أخرجه الدليل ، كما في العين المغصوبة المختلف في تعيين قيمتها المضمونة بين قيمة يوم الغصب وأعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف على قولين ، ومنشأ الاختلاف اختلاف النظر في فقه صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة في الباب المذكور ، ونحن قد استظهرنا في موضعين منها الدلالة على اعتبار قيمة يوم الغصب. فمن هنا يعلم أنّ المتّجه فيما نحن فيه هو التفصيل بين ما لو كان المشتري في قبضه غاصباً باعتبار علمه بالفضوليّة أو الغاصبيّة فيضمن قيمة يوم القبض عملاً بالصحيحة ، وما لو لم يكن غاصباً باعتبار جهله بهما فيضمن قيمة يوم التلف عملاً بالأصل.
الفائدة الثانية : في أنّه لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ، فهل يصحّ فيهما ، أو يبطل فيهما ، أو يصحّ في ماله ويبطل في مال غيره؟ ولقد عبّر في الشرائع عن العنوان «بأنّه لو باع ما يملك وما لا يملك مضى بيعه فيما يملك ، وكان فيما لا يملك موقوفاً على الإجازة» (٣) وقضيّة كلامه هو الصحّة في الجميع على تقدير الإجازة. وهذا لازم
__________________
(١) يونس : ٤٤.
(٢) آل عمران : ١٨٢.
(٣) الشرائع ٢ : ١٥.