وهذا يقضي بكون هذه الحيثيّة مأخوذة في أسئلة الروايات الثلاث الاخر لمكان قوله : «ولا يستقيم عملنا إلّا بشعر الخنزير» أي لا يستقيم عملنا طائفة الخرّازين ، ومن المعلوم أنّ الجواب ينزّل على عنوان السؤال ، فالجواز المستفاد من قوله : «فاعمل به» إنّما ورد على العنوان المقيّد ، ولا يعقل فيه حينئذٍ إطلاق يتناول صور عدم الاضطرار.
كما يندفع الأوّل : أنّ قضيّة إرشاديّة النهي كون الجواب بالنسبة إلى ذي الدسم ساكتاً غير دالّ على المنع من استعماله ولا على الرخصة فيه ، فلا بدّ لاستعلام حكمه من الرجوع إلى مرجع آخر ، وهو إمّا الأصل الأوّلي الّذي يعبّر عنه بأصالة الإباحة ، أو الأصل الثانوي وهو قاعدة المنع المستفادة من عموم قوله عليهالسلام : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام» وإطلاق معقد إجماع الشيخ في المبسوط (١) والأوّل باطل إذ لا مجرى للأصل العملي مع وجود الأصل الاجتهادي ، فتعيّن الرجوع إلى قاعدة المنع ، ومقتضاها حرمة استعمال شعر الخنزير مطلقاً إلّا ما ثبت جواز بالدليل ، والقدر الثابت جوازه بالروايات المذكور هو استعمال غير ذي الدسم حيثما حصل الاضطرار إليه ، فانقدح أنّ المتّجه في المسألة هو القول المشهور لأنّه المنصور ، والله العالم بحقائق أحكامه.
المقام الرابع : في الكلب ، ومقتضى الأصل بمعنى القاعدة المتقدّمة في الأعيان تحريم التكسّب به لأنّه نجس العين مسلوب المنفعة في أكثر أفراده ، فيحرم التكسّب به لعموم «شيء من وجوه النجس» و «أنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» مضافاً إلى عموم النبويّ الآخر ـ الّذي وصفه السيّد في المصابيح (٢) بالمتّفق عليه بين الفريقين ـ «أنّه نهى عن ثمن الكلب» (٣) وإلى المستفيض من الأخبار الخاصّة المصرّحة بأنّ «ثمن الكلب سحت» أو «من السحت» (٤).
واولى الكلاب وأحقّها بذلك الحكم كلب الهراش المعبّر عنه بالكلب العقور من العقر بمعنى الجرح لأنّه يعقر كالسبع مثل الأسد والفهد والنمر ، والمراد به ما عدا
__________________
(١) المبسوط ٢ : ١٦٦.
(٢) مصابيح الأحكام : ١٠.
(٣) الوسائل ١٧ : ١١٩ / ٤ ، ب ١٤ ما يكتسب به.
(٤) الوسائل ١٧ : ١١٨ / ٢ ، ب ١٤ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٥٦ / ١٠١٧.