آخر لذا فقد أظهرا اعترافهما بالظلم لأنفسهما ووضعا أمرهما في موضع الراجي والخائف في آنٍ واحد وهذا ما يوحي إليه سياق الشرط في الدعاء حيث أكّدا جملة جواب الشرط ( باللّام ونون التوكيد الثقيلة ) زيادة في تأكيد حالهما المتأرجح بين الرجاء والخوف يرجون المغفرة والرحمةو يخافون الخسران وعاقبتهو من اللطيف أن قدّمت المغفرة على الرحمة وفي هذا دلالة دقيقةً تكشف عن أنّ الرحمة لا تنال إلاّ بالمغفرة فلا وجه للرحمة مع الإصرار على المعصية أو بقائها وهذا التعبير بتقديم طلب المغفرة على الرحمة متعارف عليه أغلب سياقات الدعاء في القرآن كما في قوله تعالى على لسان المؤمنين : ( واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) (١) والله أعلم.
دعاء نوح :
المتتبّع لدعاء نبي الله نوح يجده متناثراً على ستّ سور بدأت بسورة هود وانتهت بسورة نوح التي اختصت وتفرّدت يعرض قصّة نوح دون سواه.
وفي كل موضع ترد فيه قصّة نوح تجد الدعاء يلازم قصّته ويتناسب معسياقعرض السورة فترى في موضع التفصيل بياناً لدعاء أطول وما يكون من شأن إجابته وما يعقبها من دعاء آخر كما في قوله تعالى : ( ونادي نوح ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين * قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦.