ويستوجبها من كثرة أذاهم ومكر أساليبهم في مجابهة دعوته وعلى كلّ حال فكما كان داعياً على كفّار قومه كان للمؤمنين منهم نصيب في دعائه كما في قوله تعالى : ( ربّ اغفرلي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مومناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظّالمين إلاّ تباراً ) (١). ففي هذه الآية التي ختمت بها سورة نوح يظهر مع الدعاء للمؤمنين الذين التّبعوه حرصه على أن يدعو على هؤلاء بالهلاك الذي يستأصلهم من الأرض. ومما ينبغي قوله هنا إن الدعاء على الكافرين من قوم نوح قد حكي عن الله تعالى كما في قصّة نوح في سورة هود قال تعالى : ( ... وقيل بعداً للقوم الظّالمين ) (٢) لئلّا يذهب الظنّ أنّ الهلاك قد شمل غير المذنبين فحكي الإبعاد عن رجمته مختصّاً بالظالمين منهم وهو ما يسمّي بالاحتراس من أن ينصرف الذهن إلى خلاف ما هو مقصود والله أعلم.
دعاء إبراهيم :
أوّل ما يطالعنا من دعاء إبراهيم دعاؤه في سورة البقرة في سياق الحديث عن بناء البيت الحرام وقد انطوى الدعاء على طلب الأمن والأمان للبيت الحرام وأهله والثبات على الإسلام لذريته كما في قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ... ) (٣) وجاء السياق نفسه في سورة إبراهيم قال تعالى : ( وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبنيّ أن نعبد
__________________
(١) سورة نوح : ٧١ / ٢٨.
(٢) سورة هود : ١١ / ٤٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٢٦.